وفي "صحيح الحاكم " عن ابنِ عبَّاس أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خطبَ في حجةِ الوداع، فقال:
"إنَّ الشيطان قد يئس أن يُعبدَ بأَّرَضكم، ولكنَّه يرضَى أن يُطاعَ فيما
سِوى ذلكَ؛ فيما تحاقرونَ من أعمالِكم؛ فيرضَى بها فاحذَروا.
يا أيُّها الناسُ، إنِّي قد تركتُ فيكم ما إنْ اعتصمتُم به فلن تضِلُّوا أبدًا: كتابَ اللَّه، وسُنَّةَ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ".
ولم يعظم على إبليسَ شيء أكبرُ مِن بعثةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وانشارِ دعوته في مشارق الأرض ومغاربها، فإنَّه أيسَ أن تعودَ أمّته كلُّهم إلى الشرك الاكبر.
قال سعيدُ بنُ جُبَير: لمَّا رأى إبليسُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قائمًا بمكَةَ يصلِّي رَنَّ، ولمَّا افتتح النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مكَّةَ رَنَّ رنَّةً أخرى؛ اجتمعتْ إليه ذريته، فقال: ايئسوا أن تردوا أمَّة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الشرك بعدَ يومكم هذا، ولكن افتنُوهم في دينهم.
وأفشُوا فيهم النوحَ والشِّعرَ.
خرَّجَه ابنُ أبي الدنيا.
وخرَّج الطبرانيّ بإسنادِه، عن مجاهدٍ، عن أبي هريرة، قال:
"إنَّ إبليسَ رَنَّ لمَّا أُنزلتْ فاتحةُ الكتابِ، وأُنزِلَتْ بالمدينةِ".
والمعروفُ هذا عن مجاهدٍ من قوله، قال: رنَّ إبليسُ أربعَ رنَّاتٍ: حينَ لُعنَ، وحينَ أُهبطَ من الجنَّة، وحينَ بُعثَ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، وحين أُنزلت فاتحةُ الكتاب، وأُنزلتْ بالمدينة.
خرَّجه وكيعٌ وغيرُه.
وقال بعضُ التابعين: لمَّا أُنزلتْ هذه الآية ُ:
(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) الآية.
بكى إبليسُ، يشيرُ إلى شدَّةِ حزنهِ بنزولِها، لما فيها من الفرح لأهلِ الذنوبِ، فهو لا يزالُ في همٍّ وغمٍّ وحُزنٍ منذُ بُعثَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لما رأى منه ومن أمَّتهِ ما يُهمُّه ويُغِيظُه.