قال ثابت: لمَّا بُعثَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قال إبليسُ لشياطينه: لقد حدثَ أمر فانظرُوا ما هُو، فانطلقُوا، ثم جاؤُوه، فقالُوا: ما ندري، قال إبليسُ: أنا آتيكم بالخبر، فذهبَ وجاءَ، قالَ: قد بُعثَ محمد - صلى الله عليه وسلم -، فجعل يُرسِلُ شياطينَه إلى أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيجيؤون بصُحفهم ليسَ فيها شيء، فقال:
ما لكُم لا تُصيبون منهم شيئًا؛ قالوا: ما صحِبْنا قوما قطُّ مثلَ هؤلاءِ؛ نُصيبُ منهم ثم يقومونَ إلى الصلاةِ، فيُمْحَى ذلك، قالَ: رُويدًا! إنَّهُم عسَى أنْ يفتحَ اللَّهُ لهُمُ الدنيا، هنالكَ تُصِيبُون حاجَتكم منُهم.
وعن الحسنِ، قالَ: قالَ إبليسُ: سَوَّلتُ لأمَّةِ محمدٍ المعاصِي، فقطعُوا
ظهرِي بالاستغفارِ، فسوَّلتُ لهم ذنوبًا لا يستغفرونَ منها، يعني الأهواءَ.
ولا يزالُ إبليسُ يرى في مواسم المغفرة والعتقِ من النار ما يسُوءُه؛ فيومُ
عرفةَ لا يُرى أصغرَ ولا أحقرَ ولا أدحَر فيه منه؛ لما يرى من تنزُلِ الرَّحمةِ
وتجاوُزِ اللَّهِ عن الذُّنوبِ العظامِ، إلا ما رُؤي يومَ بدْرٍ.
وَرُويَ أنَّه لمَّا رأى نزولَ المغفرةِ للأمَّةِ في حجَّةِ الوداع يومَ النَّحرِ بالمزدلفةِ.
أهوَى يحثِي على رأسِهِ الترابَ، ويدعوُ بالويل والثبور، فتبسَّم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ممَّا رأى من جزع الخبيثِ، وفي شهرِ رمضانَ يلطفُ اللَهُ بأمَّةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - فيغلُّ فيه الشياطينَ ومردةَ الجنّ حتَّى لا يقدروا على ما كانُوا يقدرونَ عليه في غيره من تسويل الذنوب، ولهذا تقل المعاصي في شهر رمضان في الأمَّة لذلك.
ففي "الصحيحين " عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: