وكبريائِه، وما يستحقُّه من الجلال والإكرامِ والإجلال والإعظامِ.
والثاني: أن علمَهُ باللَّهِ مستندٌ إلى عينِ اليقينِ؛ فإنَّه رآهُ، إما بعينِ بصرِه.
أو بعينِ بصيرتِه.
كما قالَ ابنُ مسعودٍ وابنُ عباسٍ وغيرُهما: رآه بفؤادِه مرتينِ..
وعلمُهم به مستندٌ إلى علمِ يقينٍ، وبينَ المرتبتينِ تباينٌ.
ولهذا سألَ إبراهيمُ - عليه السلامُ - ربَّه أن يرقيه من مرتبةِ علمِ اليقينِ إلى
مرتبةِ عينِ اليقينِ، بالنسبةِ إلى رؤيةِ إحياءِ الموتى، وقد سبقَ التنبيهُ على ذلكَ
والكلامُ في تفاصيل المعرفةِ القائمةِ بالقلبِ.
فلمَّا زادتْ معرفةُ الرسولِ بربِّه، زادتْ خشيتُه له وتقواه، فإنَّ العلمَ التامَّ
يستلزمُ الخشيةَ، كما قالَ تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ) .
فمن كان باللَّهِ وبأسمائِه وصفاتِه وأفعالِه وأحكامِه أعلم، كان له أخشى
وأتقى، وإنَّما تنقص الخشيةُ والتقوى بحسبِ نقصِ المعرفةِ باللَّهِ.
وقد خرَجَ البخاريُ في آخرِ: "صحيحِهِ " عن مسروقٍ، قالَ: قالتْ
عائشةُ: صنعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، ترخَّصَ فيه، وتنزَّه عنه قومٌ، فبلغ ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فحَمِدَ اللَّهَ، ثمَّ قالَ: "ما بالُ أقوامٍ يتنزَّهون عن الشيءِ أصنَعُه، فواللَّهِ؛ إنِّي لأعلمُهُم باللهِ وأشدُّهم له خشيةً".
وفي "صحيح مسلم" عن عائشةَ، أنَّ رجلاً قالَ لرسولِ اللَهِ - صلى الله عليه وسلم -: يا رسولَ اللهِ إني أصبحُ جنبًا، وأنا أريدُ الصيامَ. فقالَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وأنا أصبحُ جنبًا، وأنا أريدُ الصيامَ، فأغتسلُ وأصومُ ".