فقال الرجلُ: يا رسولَ اللَّهِ، إنك لستَ مثلَنا، قد غُفرَ لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّرَ، فغضب رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وقال:
"إنِّي لأرجو أنْ أكونَ أخشاكُم للَّهِ وأعلَمكُم بما أتَقِي ".
وفي حديثِ أنسٍ، أن ثلاثةَ رهطٍ جاءُوا إلى بيوتِ أزواج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
يسألونَ عن عبادةِ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فلمَّا أُخبروا بها كأنَّهم تقالُّوهَا، فقالُوا:
وأينَ نحنُ منَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قد غَفَرَ اللَّهُ له ما تقدَّم من ذنبهِ وما تأخَرَ، فقالَ أحدُهم: أمَّا أنا، فإنِّي أصلِّي الليلَ أبدًا، وقالَ آخرُ: أصومُ الدهرَ ولا أفطرُ.
وقال الآخرُ: أنا أعتزلُ النساءَ ولا أتزوّجُ أبدًا. فجاءَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فقالَ:"أنتم الذين قلتُمْ كذ وكذا؛ أما واللَّهِ، إنِّي لأخشاكُم للَّهِ، وأتقاكُم له، لَكِنِّي أصومُ وأُفطرُ، وأصلِّي، وأرقدُ، وأتزوج النساءَ، فمن رغبَ عن سنتي فليسَ منِّي ".
وقد خرَّجاه في "الصحيحينِ " بمعناه.
ففي هذه الأحاديثِ كلِّها: الإنكارُ على مَن نسبَ إليه التقصيرَ في العملِ
للاتكالِ على المغفرةِ، فإنَّه كان يجتهدُ في الشكرِ أعظمَ الاجتهادِ، فإذا عُوتبَ
على ذلكَ، وذُكرتْ له المغفرةُ، أخبرَ أنَه يفعلُ ذلك شكرًا.
كما في "الصحيحينِ " عن المغيرةَ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يقومُ حتى تتفطَّر قدمَاه، فيقالَ له: تفعلُ هذا، وقد غُفِرَ لك ما تقدَّم من ذنبِكَ وما تأخَّرَ.
فيقولُ:"أفلا أكونُ عبدًا شكورًا".
وقد كان يواصلُ في الصيامِ وينهاهم، ويقول: "إنِّي لستُ كهيئتِكم، إنِّي أظلُّ