من غيرِ توبة، لقولِ اللَّهِ تعالى: (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) .
فمرادُه: أنَّ الإصرارَ على المعاصِي وشعبِ النفاق من غيرِ توبة؛ يُخشى
منها أن يعاقبَ صاحبُها بسلبِ الإيمانِ بالكليَّة، وبالوصولِ إلى النفاقِ الخالصِ
وإلى سوءِ الخاتمةِ، نعوذُ باللَّهِ من ذلكَ، كما يقال: إنَّ المعاصي بريدُ الكفرِ.
وفي "مسندِ الإمامِ أحمدَ" من حديثِ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو، عنِ النبيِّ
- صلى الله عليه وسلم -، قال: "ويل لأقْماع القولِ، ويل للذين يُصرُّون على ما فعلوا وهم يعلمون ".
وأقماعُ القولِ: الذين آذانهم كالقمع، يدخلُ فيه سماعُ الحقِّ من جانبٍ.
ويخرجُ من جانبٍ آخرَ، لا يستقرُّ فيه.
وقد وصفَ اللَّهُ أهلَ النارِ بالإصرارِ على الكبائرِ، فقال: (وَكانُوا يُصِرُّونَ
عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيم) .
والمرادُ بالحنثِ: الذنبُ الموقِعُ في الحنْثِ، وهوَ الإثمُ.
وتبويبُ البخاريِّ لهذا البابِ يناسبُ أن يذكرَ فيه حبوطَ الأعمالِ الصالحةِ
ببعضٍ الذنوبِ، كما قال تعالى: (يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِي وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكمْ وَأَنتمْ لا تَشْعُرُونَ) .
قال الإمامُ أحمدُ: حدثنا الحسنُ بنُ موسى، قالَ: ثنا حمادُ بنُ سلمةَ.
عن حبيب بنِ الشهيد، عن الحسنِ، قالَ: ما يرى هؤلاءِ أن أعمالاً تحبطُ
أعمالاً، واللًّهُ عزَّ وجلًّ يقولُ: (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ) إلى قوله: (أَن تَحْبَطَ
أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ) .