فيها: (مِمَّا تَرَكَ) ، أو ما يدلُّ على ذلك، كقوله: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) ، ليبين أن ذا الفرضِ حَقُّه ذلك الجزءُ المفروضُ المقدَّر له من جميع المالِ بعد الوصايا والديونِ، وحيثُ ذكر ميراثَ العصباتِ، أو ما يقتسمُه الذُّكورُ والإناثُ على وجهِ التَّعصيبِ، كالأولادِ والإخوةِ لم يقيِّده بشيءٍ من ذلك، ليبيِّنَ أنَّ المالَ المقتسَمَ بالتَّعصيبِ ليسَ هو المال كُلَّهُ، بل تارةً يكونُ جميعَ المالِ، وتارةً يكونُ هو الفاضلَ عن الفروضِ المفروضةِ المقدَّرةِ.
وهُنا لمَّا ذكرَ ميراثَ الأبوينِ من ولدِهِما الذي لا ولدَ لَهُ، ولم يكنْ
اقتسامُهُما للميراثِ بالفرضِ المحضِ، كما في ميراثِهِما مع الولد، ولا كان
بالتَّعصيب المحض الذي يُعصب فيه الذَّكر الأنثى، ويأخذ مِثليَ ما تأخذُهُ
الأنثى، بل كانتِ الأمُّ تأخذُ ما تأخذُهُ بالفرضِ، والأبُ يأخذُ ما يأخذُهُ
بالتَّعصيبِ، قال: (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُث) ، يعني: أن القدرَ الذي
يستحقُّه الأبوانِ من ميراثِهِ تأخذُ الأمُّ ثلثُه فرضًا، والباقي يأخذه الأب
بالتَّعصيبِ، وهذا ممَّا فتح اللَّه به، ولا أعلم أحدًا سبقَ إليه، وللَّه الحمد
والمنَّة.
ثم قال تعالى: (فَإِن كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ
دَيْنٍ) ، يعني للأمِّ السدس مع الإخوةِ من جميع التركة الوروثةِ
التي يقتسمُها الورثةُ، ولم يذكرْ هُنَا ميراثَ الأبِ مع الأمِّ، ولا شكًّ أنَّه إذا
اجتمعَ أمٌّ وإخوةٌ وليس معهم أبٌ، فإنَّ للأمِّ السدسَ، والباقي للإخوةِ.
ويحجُبُها الأخوانِ فصاعدًا عندَ الجمهورِ.
وأما إن كانَ مع الأمِّ والإخوةِ أبٌ، فقال الأكثرونَ: يحجبُ الإخوةَ الأمُّ
ولا يرثون، ورُويَ عن ابنِ عباسٍ أنهم يرثُون السُّدسَ الذي حجبوا عنه الأمَّ