يا أيها الباني النَّاسِي مَنِيَّتَه. . . لا تأمننَّ فإنَّ الموتَ مكتُوبُ
على الخلائِق إن سُرُّوا وإنْ فرِحوا. . . فالموتُ حتْفٌ لذي الآمالِ منصُوبُ
لا تبنين ديارًا لسْتَ تسْكُنُها. . . وراجِع النُسْك كيما يغفرَ الحُوبُ
قال: ففزع من ذلك وفزع أصحابه فزعًا شديدًا، وراعَهُم ما سمعوا من
ذلك، فقال لأصحابه: هل سمِعْتم ما سمِعْتُ؟ قالوا: نعم، قال: فهل
تجدون ما أجدُ؟ قالوا: وما تجدُ؟
قال: أجد واللَّه مسْكة على قلبي ما أراها إلا علَّة الموت، قالوا: كلا، بل البقاءُ والعافية، قال: فبكى وقال: أنتم أخلائي
وإخواني فما لي عندكُم؟ قالوا: مُرْنا بما أحببتَ.
قال: فأمر بالشراب فأُهريق، وبالملاهي فأخرجت، ثم قال: اللَّهُمَّ إني أشهدُك ومن حضر من عبادِك أني تائبٌ إليك من جميع ذنوبي، نادم على ما فرطَّت أيام مُهلتي، وإياك أسالُ إن أقلْتَنِي أن تُتِمَّ عليَّ نعمتك بالإنابةِ إلى طاعتِك، وإن أنت قبضتني إليك أن تغفرَ لي ذنوبي تفضلاً منك عليَّ.
واشتدَّ به الأمرُ فلم يزلْ يقول: الموتُ واللهِ، الموتُ واللَّهِ، حتى خرجتْ نفسُه فكان الفقهاء يرون أنه مات على توبة.
وروى الواحدي في كتابِ "قتلى القرآنِ " بإسنادٍ له، أن رجلاً من أشراف
أهلِ البصرةِ كان مُنحدرًا إليها في سفينةٍ ومعه جاريةٌ له، فشربَ يومًا، وغنَّتَهُ
جاريته بعودٍ لها، وكان معهم في السفينة فقير صالحٌ، فقال له: يا فتى
تُحسِنُ مثل هذا؟
قال: أُحْسِنُ ما هو أحسن منه، وكان الفقيرُ حسنَ الصوت.
فاستفتح وقرأ: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧٧) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) .