من آلمتُه سياطُ المواعظِ فصاح فلا جناح، ومن زاد ألمه فمات فدسُهُ مباح.
قضى اللَّهُ في القتْلى قصاصَ دمائهم ولكن دماء العاشقين جُبَارُ
وبقي ها هنا قسمٌ آخرُ، وهو أشرفُ الأقسامِ وأرفعُها، وهو من يُفْني عمرَه في الطاعة، ثمَّ يُنبَّه على قرْبِ الأجلِ، ليجدَّ في التزودِ ويتهيأ للرحيلِ بعملٍ
صالح للقاء، ويكونُ خاتمةً للعملِ قال ابنُ عباسٍ: لما نزلتْ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -:
(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) ، نُعِيتْ لرسولِ اللِّه - صلى الله عليه وسلم - نفسُه؛ فأخذ في أشدِّ ما كان اجتهادًا في أمر الآخرةِ.
قالت أم سلمةَ: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخرِ أمرهِ لا يقومُ ولا يقعُد ولا يذهبُ ولا يجيءُ إلا قال:"سبحان الله وبحمدهِ "
فذكرتُ ذلك له، فقال:"إني أمِرتُ بذلك " وتلا هذه السورة.
وكان من عادتِهِ أن يعتكفَ في كُلِّ عامٍ في رمضانَ عشرًا، ويعرضُ القرآنَ
على جبريلَ مرة، فاعتكف في ذلك العامِ عشرين يومًا، ويعرض القرآنَ
مرَتينِ، وكان يقولُ:"ما أرى ذلك إلا لاقترابِ أجِلي " ثم حجَ حجةَ الوداع، وقال للناس:"خذوا عنَي مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا". وطفقَ يودعُّ الناسَ، فقالوا: هذه حجَّةُ الوداع، ثم رجع إلى المدينةِ فخطبَ قبل وصولِهِ إليها، وقال:"أيها الناس إنَّما أنا بشر، يُوشِكُ أن يأتيَني رسولُ ربِّي فأجيبَ "