وقد تبيَّنَ بما ذكرْنا أنَّ محبةَ اللَّهِ إذأ صدقتْ أوجبتْ محبةَ طاعتِهِ وامتثالَها.
وبغضَهُ معصيتَهُ واجتنابَها، وقد يقعُ المحمث أحيانًا في تفريطٍ في بعضِ
المأموراتِ وارتكابٍ لبعضِ المحظوراتِ، ثمَّ يرجعُ على نفسِهِ بالملامةِ، وينزعُ
عن ذلكَ ويتداركُه بالتوبةِ.
وفي "صحيح البخاريّ " أنَّ رجلاً كان يُؤتى به إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قد شربَ الخمرَ، فقال رجل: اللَّهُتمَ العَنْهُ، ما أكثرَ ما يؤتَى به، فقال رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
"لا تَلعَنْهُ؛ فإنَّه يحبُّ اللَّهَ ورسولَهُ ".
وقد رُوي عن الشعبيِّ في قولِهِ عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَوَّابِينَ)
قال: "التَّائِبُ من الذنبِ كمنْ لا ذنْبَ له، وإذا أحبَّ اللَّهُ عبدًا لم
يضرَّه ذنْبُهُ ".
وعن عبدِ الرحمنِ بنِ زيدِ بنِ أسلمَ قال: إنَّ اللَّه تعالى ليحبُّ
العبدَ حتى يبلغَ من حبِّهِ إذا أحبَّهُ أن يقولَ له: "اذْهَبْ فاعْمَل ما شئْتَ فقدْ
غفرْتُ لك ".
والمرادُ من هذا أنَّ اللَّهَ تعالى إذا أحبَّ عبدًا وقدَّر عليه بعضَ الذنوبِ فإنَّه
يُقدِّر له الخلاصَ منها بما يمحوها من توبةٍ أو عملٍ صالح أو مصائبَ مكفرةٍ.
كما في الحديثِ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال:
"أذنَبَ عبدٌ ذنبًا فقال: أيْ ربِّي عمِلتُ ذنبًا فاغْفِرْ لي " فذكر الحديث إلى أن قال: "فليَعْمَلْ ما شاءَ". والمرادُ ما دامَ على هذا، كلما عمِلَ ذنبًا اعترفَ به وندمَ عليه واستغفرَ منه، فأمَّا مع الإصرارِ عليه فلا، وكذلك المحبةُ الصادقةُ الصحيحةُ تمنعُ من الإصرارِ على الذنوبِ،