ومن روايةِ الكلبيِّ، عن أبي صالح، عنه.
وذكر ابنُ إسحاقَ أنَّ ذلك كان في آخر يوم من رجبٍ، وأنَّهم خافوا إنْ
أخَّرُوا القتالَ أن يسبقَهم المشركونَ فيدخلوا الحرَمَ فيأمَنُوا.
وأنَّهم لمَّا قدِمُوا على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال لهم:
"ما أمرتُكُم بالقتالِ في الشهرِ الحرامِ، ولم يأخذْ من غنيمتهم شيئًا"
وقالتْ قريشٌ: قد استحلَّ محمدٌ وأصحابُهُ الشهرَ
الحرامَ، فقال مَنْ بمكَّةَ من المسلمينَ: إنَما قتلُوهم في شعبانَ.
فلمَّا أكثرَ الناسُ في ذلك نزلَ قولُهُ تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) الآية.
ورُوي نحوُ هذا السياقِ عن عروةَ، والزُّهري وغيرِهما.
وقيلَ: إنَّها كانت أولَ غنيمةٍ غممَها المسلمونَ، وقال عبدُ اللَّهِ بن جحشٍ في ذلك، وقيل: إنَّها لأبي بكرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه -.
تعُدُّونَ قتلاً في الحرامِ عظيمةً. . . وأعْظمُ منه لو يَرى الرشُدَ راشِدُ
صدودُكُمُ عمَّا يقولُ محمدٌ. . . وكُفْرٌ به واللَّه راءٍ وشاهدُ
وإخْراجُكُم من مسجدِ اللَّهِ أهلَهُ. . . لِئلاَّ يُرَى للَّهِ في البيْتِ ساجِدُ
في أبياتٍ أخرَ.
وقد اختلفَ العلماء في حكم القتالِ في الأشهرِ الحُرُمِ، هل تحريمُهُ باقٍ أمْ
نُسِخَ؟
فالجمهورُ على أنَّه نُسِخَ تحريمُهُ، ونصَّ على نسخِهِ الإمامُ أحمدُ وغيرُهُ
من الأئمةِ.
وذهب طائفةٌ من السَّلَفِ، منهم عطاءٌ، إلى بقاءِ تحريمِهِ، ورجَّحه
بعضُ المتأخرين واستدلُّوا بآية المائدةِ.
والمائدةُ من آخرِ ما نزلَ من القرآنِ،