كأنها متن إهالةٍ، حتى تسوى عليها أقدام الخلق كلِّهم برِّهم وفاجرِهم، ثم
يقول لها الربُّ عزَّ وجلَّ: خذي أصحابَك ودعي أصحابِي، فتخسفُ بكلِّ
ولي لها، وينجي اللَّهُ المؤمنينَ نديةً ثيابُهم.
قال كعبٌ: ألم ترَ إلى القدرِ الكثيرةِ الودك إذا بردتْ استوت بيضاء
كالشحم، فإذا أوقدتِ النارُ تحتها انخسف الودكُ في القدرِ من هاهنا وهاهنا.
وفي روايةٍ عنه قال: فهي أعرفُ بهم من الوالدِ بولدهِ.
وقال ثورُ بنُ يزيدَ عن خالدِ بنِ معدانَ: إذا دخلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ، قالُوا:
ألم يعدْنَا ربُّنا أنا نرد النار؟
قال: بلى، ولكن مررتُم عليها وهي خامدةٌ.
وفي روايةٍ عنه، قالَ: إذا جازَ المؤمنونَ الصراطَ نادَى بعضُهم بعضًا: ألم يعدْنا ربُّنا أنا نمرُّ على جسرِ جهنَّم؟
فيقولونَ: بلى، ولكنْ مررتُم عليها وهي خامدةٌ.
وقال مسكينٌ: سمعتُ أشعثَ الحداني يقول: بلغني أن أهلَ الإيمانِ إذا
مرُوا بصراطِ جهنمَ، قال: تقول لهم جهنمُ: جوزُوا عنِّي قد بردتُم وهجِي.
ذرُوني وأهلي.
ولكن هذا والذي قبلَهُ قد يدلانِ على أنَّ الورود هو المرورُ
على الصراطِ كالقولِ الأولِ.
وروى كثيرُ بنُ زيادٍ البرساني عن أبي سُميةَ، قال: اختلفنا في الورودِ.
فقالَ بعضُنا: لا يدخلُها مؤمنٌ، وقال بعضُهم: يدخلُونها جميعًا ثم ينجي
اللَّهُ الذين اتَّقوا، فلقيتُ جابرَ بنَ عبدِ اللَّهِ، فقلتُ: إنا اختلفْنَا في الورودِ.
فقال: يردونها جميعًا، وقال سليمُ بنُ مرةَ: يدخلونَها، وقال: سمعتُ
رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ:
"لا يبقَى برّ ولا فاجرٌ إلا دخلَها، فتكونُ على المؤمنينَ بردًا
وسلامًا كما كانتْ على إبراهيم، حتَّى إنَّ للنارِ ضجيجًا من بردِهِم