للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأسكَ، فإنَّ الخشوعَ لا يزيدُ على ما في القلبِ.

فمن أظهَر للناسِ خشوعًا فوقَ ما في قلبِهِ فإنَّما هو نفاقٌ على نفاقٍ.

وأصلُ الخشوع الحاصلُ في القلبِ، إنَّما هوَ من معرفةِ اللَّه، ومعرفةِ

عظمتِهِ وجلاِلهِ وكمالِهِ، فمن كانَ باللَّه أعرفَ كانَ له أخشعَ.

وتتفاوتُ القلوبُ في الخشوع بحَسبِ تفاوُتِ معرفَتِهَا لمن خشعت.

وبحسبِ تفاوتِ مشاهدةِ القلوبِ للصفاتِ المقتضيةِ للخشوع، فمِنْ خاشع

لقوةِ مُطالعتهِ قُربَ اللَّهِ من عبدِهِ واطَلاعِهِ على سِرِّه وضميرِه المقتضي

للاستحياءِ من اللَّهِ تعالى ومراقبتهِ في الحركاتِ والسكناتِ، ومن خاشع

لمطالعتِه لجلالِ اللَّه وعظمتهِ وكبريائهِ المقتضي لهيبتهِ، ومن خاشعِ لمطالعتهِ

لكمالهِ وجمالهِ المقتضِي للاستغراقِ في محبتهِ والشوقِ إلى لقائهِ ورويتهِ، ومن

خاشع لمُطالعتهِ شدَّةَ بطشِه وانتقامِه وعقابِه المقتضِي للخوفِ منهُ.

وهو سبحانه وتعالى جابِرُ القلوبِ المنكسرةِ لأجلِه فهو سبحانه وتعالى

يتقرّبُ من القلوبِ الخاشعةِ له كما يتقربُ ممن يناجيهِ في الصلاةِ، وممَّن يعفِّرُ

له وَجْهَهُ في الترابِ بالسجودِ.

وكما يتقربُ من وفدِهِ وزوارِ بيتهِ الواقفينَ بين يديه المتضرعينَ إليه في

الوقوفِ بعرفةَ ويدنُو ويباهِي بهم الملائكةَ.

وكما يتقربُ من عبادِهِ الدائبينَ له، السائليَن له، المستغفريَن من ذنوبهِم

بالأسحارِ، ويجيبُ دعاءَهم ويعطِيهم سؤالَهم.

ولا جبَر لانكسارِ العبدِ أعظمُ من القربِ والإجابةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>