وقد وصَف اللَّهُ تعالى في كتابِهِ الأرضَ بالخشوع فقالَ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) ، فاهتزازُهَا
وربوُّها - وهو ارتفاعُها - مُزيلٌ لخشوعِهَا، فدَلَّ على أنَّ الخشوعَ الذي كانتْ عليه هو سكونُها وانخفاضُها.
وكذلك القلبُ إذا خَشَعَ فإنَّه يَسْكُنُ خواطرُهُ وإرادتُه الرديئةُ التي تنشأُ عن
اتِّباع الهَوى، وينكسرُ ويخضعُ للَّه عز وجل، فيزول بذلك ما كانَ فيه من
البَأْوِ والترفع والتعاظُم والتكبُّرِ، ومتى سكَنَ ذلكَ في القلبِ خشعتِ
الأعضاءُ والجوارحُ والحركاتُ كلُّها حتى الصَّوتُ.
وقد وصفَ اللَّهُ تعالَى الأصواتَ بالخشوع في قوله: (وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ
لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا) ، فخشوعُ الأصواتِ هو سكونُها
وانخفاضُها بعد ارتفاعِهَا.
وكذلكَ وصفَ وجوهَ الكُفارِ وأبصارَهم في يومِ القيامةِ بالخشوع، فدل
ذلك على دخولِ الخشوع في هذه الأعضاءِ كلِّها.
ومتى تكلَّف الإنسانُ تعَاطي الخشوع في جوارحِهِ وأطرافِه مع فراغ قلبهِ من
الخشوع وخُلوه منه كانَ ذلك خشوعَ نفاقٍ، وهو الذي كانَ السلف يستعيذونَ منه، كما قالَ بعضُهم: استعيذوا باللَّهِ من خشوع النفاقِ.
قالوا: وما خشوعُ النفاقِ؟
قال: أن يُرى الجسَدُ خاشعًا والقلبُ ليس بخاشع.
ونظر عمُر - رضي الله عنه - إلى شابٍّ قد نكسَ رأسَه، فقالَ له: يا هذا، ارفعْ