وقد قيل: إن روايةَ النسائيَ أرجحُ.
وقد روى سعيدُ بنُ بشيرٍ عن قتادةَ عن الحسنِ - رحمه اللَّه تعالى - عن
شدَّادِ بنِ أوسٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"أولُ ما يرفعُ من الناسِ الخشوعُ " فذكره.
ورواه أبو بكرِ بنِ أبي مريمَ عن ضمرةَ بنِ حبيبٍ مُرسلاً.
ورُوي نحوه عن حذيفةَ من قولهِ.
فالعلمُ النافعُ هو ما باشرَ القلوبَ فأوجبَ لها السكينةَ والخشية والإخباتَ
للَّه والتواضعَ والانكسارَ له، وإذا لم يباشر القلبَ ذلك من العلم؛ وإنما كانَ
على اللسانِ فهو حُجَّةُ اللَّهِ على ابنِ آدمَ يقومُ على صاحبهِ وغيرهِ، كما قال
ابنُ مسعود - رضي الله عنه -: "إنَّ أقوامًا يقرأونَ القرآنَ لا يُجاوزُ تراقيهِم، ولكن إذا وقعَ في القلبِ فَرَسَخ فيه نَفَع " خرَّجه مسلم.
وقالَ الحسنُ - رحمه اللَّه تعالى -: العلمُ عِلمانِ: علمٌ باللسان وعلم
بالقلبِ، فعلمُ القلبِ: هو العلمُ النافعُ، وعلمُ اللسانِ: هو حجة اللًّهِ على
ابنِ آدمَ.
ورُويَ عن الحسنِ - رحمه اللَّه تعالى - مرسلاً عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ورويَ عنه عن جابرٍ - رضي الله عنه - مرفوعًا، وعنه عن أنسٍ - رضي الله عنه - مرفوعًا، ولا يصحُّ وصلُه.
فأخبر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن العلمَ عندَ أهلِ الكتابَينِ من قَبلنا موجودٌ بأيديهم ولا ينتفعونَ بشيءٍ منُه لمَّا فقدُوا المقصودَ منهُ، وهو وصولُه إلى قلوبهِم، حتى يجدُوا حلاوةَ الإيمانِ به ومنفعتَه بحصول الخشيةِ والإنابةِ لقلوبهِم، وإنما هُوَ علَى ألسنتهِم تقومُ به الحُجَّةُ عليهِم.