ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولُ في ركوعِهِ:
"خشع لك سمْعي وبصري ومُخِّي وعظامي وما استقلَّ به قدمِي ".
إشارةً إلى: أن خشوعَهُ في ركوعِهِ قد حصلَ بجميع جوارحِهِ ومن أعظمها
القلبُ الذي هو مَلِكُ الأعضاءِ والجوارح فإذا خشعَ خشعتِ الجوارحُ
والأعضاءُ كلُّها تبعًا لخشوعِهِ.
ومن ذلك: السجودُ وهو أعظمُ ما يظهَرُ فيه ذلُّ العبدِ لربِّه عزَّ وجلَّ حيثُ
جعلَ العبدُ أشرفَ ما له من الأعضاء وأعزَّها عليه وأعلاها حقيقة؛ أوضعَ ما
يُمكنه، فيضعُه في الترابِ مُتَعَفِّرًا، ويتبعُ ذلك انكسارُ القلب وتواضعُهُ
وخشوعُه للَّه عز وجل.
ولهذا كان جزاءُ المؤمنِ إذا فعلَ ذلك أن يُقَربه اللَّهُ عز وجل إليه فإن:
"أقربَ ما يكونُ العبدُ من ربّه وهو ساجدٌ"
كما صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقال اللَّه تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) .
"والسُّجودُ أيضًا مما كانَ يأنَفُ منه المشركونَ المستكبرونَ
عَنْ عبادةِ اللَّهِ عز وجل.
وكان بعضُهم يقولُ: أكرهُ أنْ أسجدَ فتعلُوني إسْتي، وكان بعضُهم يأخذُ
كفًّا من حصى فيرفعُه إلى جبهتِهِ، ويكتفي بذلك عن السجود.
وإبليسُ إنما طَردَهُ اللَّه لمَّا استكبرَ عن السجودِ لمن أمَرهُ اللَّهُ بالسجودِ له.
ولهذا يبكي إذا سجدَ المؤمنُ ويقولُ: "أمِرَ ابنُ آدم بالسجود ففعل فله الجنة، وأمرتُ بالسُجود فِعصيتُ فليَ النارُ".