السمعَ والبصرَ، فلو كان مانِعًا من البعضِ لكانَ مانعًا من الجميع.
وروى أبو الشيخ الأصبهانيُ بإسناده عن عبيدِ بنِ مرزوق، قالَ: كانتِ
امرأة بالمدينةِ يقالُ لها: أمُّ محجنٍ، تقمُّ المسجدَ، فماتتْ، فلم يعلمْ بها النبيُّ
- صلى الله عليه وسلم - فمرَّ على قبرِها، فقال: "ما هذا القبرُ؟ "
فقالوا: قبرُ أمِّ محجنٍ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
"التي كانتْ تقمُّ المسجدَ؟ "
قالوا: نعم، فصفَّ الناسَ وصلَّى عليها، ثم قالَ:
"أيَّ العملِ وجدتِ أفضل؟ "
قالوا: يا رسولَ اللَّهَ أتسمع؟
قالَ: "ما أنتم بأسمعَ منها".
فذكرَ أنها أجابتْهُ، قَمُّ المسجدِ، وهذا مرسل.
وأمَّا أنَّ ذلك خاصّ بكلامِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فليسَ كذلكَ، وقد ثبت في الصحيحينِ عن أنسٍ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إن العبدَ إذا وُضِعَ في قبر وتولَّى عنه أصحابُهُ، إنه ليسمعُ قَرْعَ نعالِهِم "، وقد سبقَ ذكرُهُ، وسنذكر الأحاديثَ الواردةَ بسماع الموتى سلامَ من يسلِّمُ عليهم فيما بعدُ إن شاء اللَّه تعالى.
وأما قولُهُ تعالى: (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) .
وقولُه: (وَمَا أَنتَ بِمسْمِعٍ من فِي الْقُبُورِ) فإنَّ السماعَ يطلقُ ويرادُ به إدراكُ
الكلامِ وفهمُهُ، ويرادُ به أيضًا الانتفاعُ به، والاستجابة لهُ، والمرادُ بهذه الآية.
نفيُ الثاني دون الأولِ، فإنَّها في سياقِ خطابِ الكفَّارِ الذينَ لا يستجيبونَ
للهُدى ولا للإيمانِ إذا دُعوا إليه، كما قالَ اللَّهُ تعالى:
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا) ، الآيةُ في نفي السماع والإبصارِ عنهم، لأنَّ الشيءَ
قد ينفى لانتفاءِ فائدتِهِ وثمرتِهِ، فإذا لم ينتفع المرءُ بما سمعَهُ وأبصرَهُ،