حياةً مطلقةً.
وممن رجَّح هذا القولَ - أعني السؤالَ والنعيمَ والعذابَ للروح خاصةً - من
أصحابِنا ابنُ عقيلٍ وأبو الفرج ابن الجوزيِّ. في بعضِ تصانيفِهما.
واستدلَّ ابنُ عقيلٍ بأنَّ أرواحَ المؤمنينَ تنعمُ في حواصلِ طيرٍ خضرٍ، وأرواح الكافرينَ تعذَّب في حواصلِ طيرٍ سودٍ، وهذه الأجسادُ تبْلَى فدلَّ ذلك على أنَّ الأرواحَ تعذبُ وتنعمُ في أجسادٍ أخرَ، وهذا لا حجةَ فيه لأنَّه لا ينافي اتصالَ الروح ببدنِها أحيانًا مع بقائِهِ واستحالتِهِ.
واستدل طائفة ممن ذهبَ إلى هذا القول بما روى منصورُ بنُ عبدِ الرحمنِ.
عن أبي أُمامة قال: دخلَ ابنُ عمرَ المسجدَ، وابنُ الزبيرِ قد قتلَ وصلبَ.
فقيلَ له: هذه أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ في المسجدِ، فقال لها: اصبري فإنًّ هذه
الجثث ليستْ بشيءٍ، وإنَّما الأرواحُ عند اللَّهِ، فقالت: وما يمنعنِي من الصبرِ، وقد أُهدِيَ رأسُ يحيى بنِ زكريا إلى بغيٍّ من بَغايا بني إسرائيلَ.
وروى ابنُ أبي الدنيا، من طريقِ ابنِ عمرَ - صاحبِ السقيا - قال: نزلَ ابنُ
عمرَ إلى جانبِ قبورٍ قد درستْ، فنظرَ إلى قبر منها، فإذا بجمجمةٍ بادية.
فأمرَ رجلاً فواراهَا، ثم قال: إنَّ هذه الأبدانَ ليست يضرُّها هذا الثرى شيئًا، وإنَّما الأرواح التي تُعاقَبُ وتثابُ إلى يوم القيامةِ.
وروى محمدُ بنُ سعدٍ، عن الواقديِّ، حدثني ثورُ بنُ يزيدَ، عن خالدِ بنِ
معدانَ قال: لما انهزمتِ الرومُ يومَ أجنادينَ، انتهَوا إلى موضع لا يعبرُه إلا
إنسان، فجعلت الروم تقاتل عليه، فتقدَّم هشام بن العاصِ فقاتلهم حتى
قُتِل، ووقع على تلك الثلمة فسدَّها، فلما انتهى المسلمون إليها، هابوا أن