يوطئه الخيل، فقال عمرو بنُ العاص: إنَّ اللَّهَ قد استشهدَهُ ورفعَ روحَهُ وإنما
هو جثةٌ فأوطِئوهُ الخيلَ، ثم أوطأه وتبِعَهُ الناسُ حتى قَطَّعوهُ.
وهذه الآثارُ لا تدلُّ على أنَّ الأرواح لا تتصلُ بالأبدانِ بعد الموتِ، وإنَّما
تدلُّ على أنَّ الأجسادَ لا تتضررُ بما ينالها من عذابِ الناسِ لها ومن أكل
الترابِ لها، وهذا حقٌّ، فإنَّ عذابَ القبرِ ليسَ من جنسِ عذابِ الدنيا، وإنَّما
هو نوعٌ آخرُ يصلُ إلى الميتِ بمشيئةِ اللَّهِ وقدرتِهِ.
وقولهم: إنَّ الأرواحَ عندَ اللَّهِ تعالى تعاقَبُ وتثابُ لا ينافي أنْ تتصلَ
بالبدنِ أحيانًا، فيحصلُ بذلكَ إلى الجسدِ نعيمٌ أو عذابٌ، وقد تستقلُّ الروحُ
أحيانًا بالنعيم والعذابِ، إما عند استحالةِ الجسدِ أو قبلَ ذلك.
وقد أثبتَ طائفة أخرى النعيمَ والعذابَ للجسدِ بمجرَّدِهِ، من غيرِ اتصالِ
الروح به، وممن ذكرَ ذلك من أصحابِنا: ابنُ عقيلٍ في كتابِ "الإرشادِ" له
وابنُ الزاغوني، وحُكي عن ابنِ جريرٍ الطبريِّ - أيضًا - وذكرَ القاضي
أبو يعْلى أنه ظاهرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ، فإنه قال في روايةِ حنبلٍ: أرواحُ
المؤمنينَ في الجنةِ، وأرواحُ الكفارِ في النارِ، والأبدانُ في الدنيا يعذَب اللَّهُ من
يشاءُ، ويرحمُ من يشاءُ منها بعفوه.
قال القاضي: ظاهرُ هذا أن الأرواحَ تعذَّبُ وتنعمُ على الانفرادِ وكذلكَ
الأبدانُ إذا كانتْ باقيةً أدَّى إلى الأجزاءِ التي استحالتْ، قال: فلا يمتنعُ أن
يُخلقَ في الأبدانِ إدراك تحسُّ به النعيمَ والعذابَ، كما خُلقَ في الجبلِ لما تجلَّى
له ربُّه ثم جعلَهُ دكًّا.
وقال ابنُه القاضي أبو الحسين: ولأنه لمَّا لم يستحِلْ نطقُ الذراع المسمومةِ،