وهذا لا يدل على أنَّ "ما" نافيةٌ على ما لا يخفَى وإنَما مرادُه أنَّهم أجرَوا
"إنما" مَجْرى النفي و"إلاَّ" في هذا الحكم لما فيها معنى النفى ولم يصرِّحْ بأنَّ
النفيَ مستفادٌ منْ "ما" وحْدَهَا، وقيلَ: إنه لا يمتنعُ أنْ يكون "ما" في هذه
الآيةِ بمعنى الذي والعلماءُ خبرٌ والعائدُ مستترٌ في يخشى.
وأُطلقتْ "ما" على جماعةِ العقلاءِ كما في قولِهِ تعالى: (أَو ما مَلَكَت
أَيْمَانُكُم) ، و (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ) .
وأما دلالةُ إلا على التأكيد وهو نفيُ الخشيةِ عنْ غيرِ العلماءِ فمِنْ صيغةِ
"إنَّما" أمَّا على قولِ الجمهورِ وأنَّ "ما" هي الكافةُ فيقولُ إذا دخلتْ "ما"
الكافةُ على "إنَّ " أفادت الحصرَ هذا هو الصحيحُ، وقدْ حكاهُ بعضُ العلماءِ
عن جمهورِ الناسِ وهو قولُ أصحابِنا كالقاضي، وابنِ عقيلٍ، والحلواني.
والشيخ موفق الدين، وفخرِ الدِّين إسماعيلَ بنِ علي صاحبِ ابن المِنّي، وهوَ
قولُ أكثرِ الشافعية كأبي حامدٍ وأبي الطيب، والغزالي والهرَّاسي، وقولُ طائفةٍ
من الحنفيةِ كالجرجاني، وكثيرٌ من المتكلمينَ كالقاضي أبي بكرٍ، وغيرِهِ، وكثيرٌ من النحاةِ وغيرِهِم، بلْ قدْ حكاهُ أبو علي فيما ذكرَهُ الرازيُّ عن النحاةِ جملةً، ولكن اختلفُوا في دلالتها على النفي هلْ هُوَ بطريقِ المنطوقِ، أو
بطريقِ المفهوم؟
فقال كثيرٌ من أصحابِنا، كالقاضي في أحدِ قوليه وصاحبُ ابنِ المنّي والشيخُ موفَّقُ الدِّين: إنَّ دلالَتَها على النفي بالمنطوقِ كالاستثناءِ سواء
وهو قولُ أبي حامد، وأبي الطيب منَ الشافعية، والجرجاني من الحنفية.
وذهبتْ طائفةٌ من أصحابِنا كالقاضِي في قولِهِ الآخرِ وابنِ عقيلٍ والحلواني.
إلى أنَّ دلالتها على النفي بطريقِ المفهومِ وهُوَ قولُ كثيرٍ من الحنفيةِ،