والمتكلمينَ، واختلفُوا أيْضًا هلْ دلالتُها على النفي بطريقِ النَّصِ، أو الظاهر.
فقالتْ طائفة: إنَّما تدلُّ على الحصرِ ظاهِرًا، أو يحتملُ التأكيد، وهذا الذي
حكاهُ الآمديُّ عن القاضي أبي بكرٍ، والغزاليِّ، والهرَّاسيِّ، وغيرِهم من
الفقهاء وهُوَ يشبهُ قولَ من يقولُ إنَّ دلالتَها بطريقِ المفهومِ فإنَّ أكثرَ دلالاتِ
المفهومِ بطريقِ الظاهرِ لا النَّص، وظاهرُ كلامِ كثيرٍ من أصحابنا وغيرِهِم، أنَ
دلالتَها على النَّفي والإثباتِ كليهما بطريقِ النَّصِ لأنَّهم جعلُوا "إنَّما" كالمسْتَثْنى والمستثنى منه سواء وعندهم أنَ الاستثناءَ منَ الإثباتِ نفْيٌ ومنَ النفي إثْباتٌ، نصًّا لا محلاً.
وأمَّا من قالَ: إنَّ الاستثناءَ ليسَ لإثباتِ النقيضِ بَلْ لرفع الحكْمِ إما مطلقًا
أوْ في الاستثناءِ منَ الإثباتِ وحده كما يُذكرُ عن الحنفيةِ وجعلُوه من بابِ
المفهومِ الذي ينفونَهُ، فهُوَ يقولُ ذلكَ في "إنَّما" بطريقِ الأوْلَى فظَهَرَ بهذا أنَّ
المخالف في إفادَتِهَا الحصرَ هوَ من القائلينَ بأنَّ دلالتَها على النفيِّ بالمفهومِ وهم
قسمان:
أحدهما: مَنْ لا يَرى كونَ المفهومِ حُجَّةً بالكليةِ كالحنفيةِ، ومَنْ وافقَهُم منَ
المتكلمينَ.
والثاني: مَنْ يراهُ حجةً من الجملةِ، ولكنْ ينفيه هَاهُنا لقيامِ الدليلِ عندَهُ على
أنَّه لا مفهومَ لها، واختارَهُ بعضُ المتأخرينَ منْ أصحابِنا، وغيرِهم، وبيانُ
ذلكَ أنَّ "إنَّما" مركبةٌ منْ "إنَّ " المؤكدةِ و"ما" الزائدةِ الكافةِ فيُستفادُ التوكيدُ منْ "إنَّ " والزائدُ لا معنى له نعم أكثرُ ما يُقالُ "إنَّ " تفيدُ تقويةَ التوكيدِ كما في الباءِ الزائدةِ ونحوها، فأمَّا أنْ يُحدِثَ معنًى آخرَ فلا، وقد يعدم بيان بطلانِ