في النَّفي، فإنَّ أدواتِ النَّفي تدل على انتفاءِ الاسمِ بانتفاءِ مسمَّاه فذلك، تارةً لأنه لم يُوجدْ أصلاً، وتارةً لأنه لم توجدِ الحقيقةُ المقصودةُ بالمسمَّى، وتارةً
لأنه لم تكنْ تلكَ الحقيقةُ، وتارةً لأن ذلك المسمَّى مما لا ينبغي أنْ يكونَ
مقصودًا بل المقصودُ غيرُه، وتارةً لأسبابٍ أُخرَ وهذا كلُّه إنَّما يظهرُ من سياقِ الكلامِ وما اقترنَ به من القرائنِ اللفظية التي لا تخرجُهُ عن كونِهِ حقيقةً عندَ الجمهورِ ولكونِ المركبِ قد صارَ موضوعًا لذلكَ المعْنى، أوْ مِنَ القرائنِ الحاليةِ التي تجعلُه مجازًا عند الجمهور، وأمَّا إذا أطلقَ الكلامُ مجرَّدًا عن القرينتينِ فمعناهُ السلبُ المطلقُ وهوَ أكثرُ الكلامِ وهذا الجوابُ ملَّخصٌ من كلامِ شيخ الإسلام أبي العباسِ ابن تيمية - رحمه اللَّه.
وأما قولُهُ تعالى: (إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ) ، وقولُهُ: (إِنَّمَا أًنتَ مُنذِرٌ) .
ونحو ذلك، فالجواب عنهُ أن يُقال: الحصر تارةً يكونُ عامًا
كقولِهِ: (إِنَّمَا إِلَهُكمْ اللَّه الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ) ، ونحوِ ذلك.
وتارةً يكونُ خاصًّا بما يدل عليه سياقُ الكلامِ فليسَ الحصرُ أن ينفيَ عن الأوَّل كل ما سوى الثاني مطلقًا، بلْ قد ينْفِي عنه ما يُتوهَمُ أنه ثابتٌ لهُ مِنْ ذلك النوع الذي أثبتَ له في الكلامِ.
فقولُه: (إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ) ، فيه نفيُ تعددِ الإلهيّةِ في حقِّه
سبحانَهُ وأنَّه لا إله غيره، ليسَ المرادُ أنه لا صفةَ له سوى وحدانيةِ الإلهيةِ.
وكذلك قولُهُ: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) .
فإنَّ المراد به أنه لم يُوحَ إليَّ في أمرِ الإلهيةِ إلا التوحيدَ لا الإشراكَ.
والعجبُ أن أبا حيَّان الأندلسيّ أنكر على الزمخشريّ ادعاءَه الحصرَ في
هذه الآيةِ لاستلزامهِ عندَهُ أنَّه لم يوحَ إليه غيرَ التوحيدِ، قال: لأنَّ الحصرَ إنما