يلقى من جهة: "أنما" المفتوحةِ الهمزةِ، قالَ: ولا يُعرفُ القولُ بإفادتها الحصرَ
إلا عندَ الزمخشريِّ وحده.
وردَّ ذلك عليه شيخُنا أبو محمدٍ بنِ هشامٍ بناءً على أنَّ (أنَّ) المفتوحةَ فرع
عن "إن " المكسورةِ على الصحيح، قال: ولهذا صحَّ للزمخشريِّ أن يدَّعي أنها تفيدُ الحصرَ "إنَّما" انتهى.
وهذا كلُّه لا حاجةَ إليه في هذه الآيةِ فإنَّ الحصرَ مستفاد فيها مِنْ "إنما"
المكسورةِ التي في أولِ الآيةِ فلو فرض أن "أنما" المفتوحةَ لا تفيد الحصرَ لم
ينتفِ بذلكَ الحصرُ في الآيةِ على ما لا يخْفى، وكذلكَ قولُهُ تعالى:
(إِنَّمَا أَنتَ مُنذِر) ، أي لستَ ربًّا لهم ولا مُجازِيًا ولا محاسِبًا، وليسَ عليكَ
أن تجبرَهُم على الإيمانِ، ولا أن تتكلفَ لهم طلبَ الآياتِ التي يقترحونَها
عليكَ (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِر) ، فليسَ عليكَ إلا الإنذارُ، كما قال:
(فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) وقالَ: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) .
ومنْ هَا هُنا يظهرُ الجوابُ عن قولِه:
"إنما كان الذي أوتيتُه وحيًا أوحاهُ اللَّهُ إليَّ "
فإنَّه قالَ: "ما مِنْ نبى إلا وقد أوتي من الَآياتِ ما آمنَ على مثلِهِ البشرُ، وإنَّما كانَ الذي أوتيتُه وحيًا أوحاهُ اللَهُ إليَّ، فأرجُو أنْ أكونَ أكثرُهم تابعًا يومَ القيامةِ"
فالكلامُ إنما سِيقَ لبيانِ آياتِ الأنبياء العظامِ الذي آمن لهم بسببها الخَلْقُ الكثيرُ، ومعلومٌ أن أعظمَ آياتِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - التي آمن عليها أكثرُ أُمَّتِهِ هي الوحيُ وهوَ الذي كان يدعو به الخلقَ كلَّهم، ومنْ أسلمَ في حياتِهِ خوفًا فأكثرُهم دخلَ الإيمانُ في قلبهِ بعد ذلك بسببِ سماع الوحي لمسلمي الفتح وغيرِهِم، فالنفيُ توجه إلى