أنه لم تكنْ آياتُهُ التي أوجبتْ إسلامَ الخلقِ الكثيرِ من جنسِ ما كانِ لمن قبله
مثلَ ناقةِ صالح وعصا موسى ويدِهِ وإبراءِ المسيح الأكمه والأبرصَ وإحياءِ
الموتى ونحو ذلك، فإنَّ هذه أعظمَ آياتِ الأنبياءِ قبلَه وبها آمن البشرُ لهم.
وأمَّا آيتُه هو - صلى الله عليه وسلم - التي آمنَ البشرُ عليها في حياتِهِ وبعدَ وفاتِهِ فهيَ الوحيُ التي أُوحِي إليه وهيَ التي توجبُ إيمانَ البشرِ إلى يومِ القيامةِ كما قال تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقرْآن لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ) .
ولهذا قيل: إنَّ آياتِ الأنبياءِ انقطعتْ بموتِهِم وآياتِهِ - صلى الله عليه وسلم - باقيةً إلى يومِ القيامةِ، ومما يبيِّن أنَّ الحصرَ لم ينتفِ عنْ "إنَّما" في شيء من هذه الأنواع التي توهمُوها، أنَّ الحصرَ قد جاءَ فيها وفي مثلِها بِإلاَّ كما جاء بـ "إنَّما" فإنه جاء "لا ربا إلا في النسيئة"
كما جاء "إنما الربا في النسيئة"
وجاءَ في القرآن (وَمَا محَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُل) .
كما جاء: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ)
وكذلك قوله: (مَا الْمَسِيحُ ابْن مَرْيَمَ إِلاَّ رَسولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ) .
ومثلُ ذلك كثير فهذا وجهُ إفادتِهَا الحصر في هذهِ الآيةِ على القولِ المشهور
وهو "إنما" في قولِهِ: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) ، هي الكافةُ.
وأما على قولِ منْ جعلَهَا موصولةً فتفيدُ الحصرَ منْ جهةٍ أُخرى وهو أنَّها إذا
كانتْ موصولةً فتقديرُ الكلامِ "إن الذين يخشون الله هم العلماء" وهذا أيضًا
يفيدُ الحصرَ" فإنَّ الموصولَ يقتضي العمومَ لتعريفِهِ، وإذا كان عامًّا لزمَ أنْ
يكونَ خبرُهُ عامًّا أيضًا لئلا يكونَ الخبرُ أخصَّ من المبتدأ، وهذا النوعُ من
الحصرِ يسمَّى حصرَ المبتدأ في الخبرِ، ومتى كان المبتدأ عامًّا فلا ريبَ إفادتهُ
الحصرَ، وأمَّا دلالة الآيةِ على الثالثِ، وهو نفي العلم من غيرِ أهلِ الخشيةِ.
فمن جهةِ الحصرِ أيضا فإنَّ الحصرَ المعروفَ المطردَ فهو حصرُ الأولِ في الثاني،