يُجوِّزُ تخصيصَ العلةِ وأما من لا يُسمِّي علةً إلا ما استلزمَ الحكمَ ولزمَ من
وجودِها وجودُه على كلِّ حال، فهؤلاءِ عندهم الشرطُ وعدمُ المانع من جملةِ
أجزاءِ العلةِ، والمقصودُ هنا أنَّ العلمَ إذا كان سببًا مقتضيًا للخشيةِ كان ثبوتُ
الخشيةِ عامًا لجميع أفرادِ العلماءِ لا يتخلفُ إلا لوجودِ مانع ونحوهِ.
وقد تقدَّم بيانُ دلالةِ الآية على أنَّ منْ خَشِي اللَّهَ وأطاعه وامتثل أوامره
واجتنب نواهيه فهو عالِم لأنه لا يخشاه إلا عالِمٌ، وعلى نفي الخشيةِ عن غيرِ
العلماءِ، ونفي العلْم عن غير أولي الخشيةِ أيضًا، وأنَّ من لم يخشَ اللَّهَ
فليسَ بعالِم وبذلك فسَّرها السلفُ.
فعنِ ابنِ عباس قال: "يريدُ: إنما يخافُني مِنْ خلقِي مَنْ عَلِمَ جبروتِي
وعزَّتي وجَلالِي وسلْطَاني ".
وعنْ مجاهدٍ والشعبيِّ: "العالِمُ من خافَ اللَّهَ ".
وعن ابنِ مسعودٍ قال: "كفى بخشيةِ اللَّهِ علمًا وكفَى بالاغترارِ باللَّهِ
جهلاً".
وذكرَ ابنُ أبي الدنيا عن عطاءٍ الخراسانيِّ في هذه الآيةِ: "العلماءُ باللَّهِ
الذين يخافونَهُ ".
وعن الربيع بنِ أنسٍ في هذه الآيةِ قال: منْ لم يخشَ اللَّهَ فليسَ بعالمٍ.
ألا ترى أنَّ داود قال: ذلكَ بأنَّك جعلتَ العلمَ خشيتَكَ، والحكمةَ والإيمانَ
بك وما عَلِمَ منْ لم يخشَكَ وما حكم من لم يؤمنْ بك.
وعن الربيع عن أبي العاليةِ في قولِهِ تعالى: (يؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ) .
قال: "الحكمةُ الخشيةُ فإنَّ خشيةَ اللَّهِ رأسُ كلِّ حكمةٍ".