للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهَاهُنا نكتةٌ حسنةٌ، وهيَ أنَّ قولَهُ تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ

الْعُلَمَاءُ) قد عُلِمَ أنه يقتضي ثبوتَ الخشيةِ للعلماءِ للرهطِ (١) يقتضِي ثبوتَها

لجنسِ العلماءِ، كما يُقال: إنما يحج المسلمونَ، أو: لا يحج إلا مسلم.

فيقتضي ثبوتَ الحجِّ لجنسِ المسلمينَ لا لكلِّ فرد فردٍْ منهم أو يقتضي ثبوتَ

الخشيةِ لكلِّ واحدٍ من العلماءِ، هذا الثاني هو الصَّحَيحُ وتقريرُه من جهتين:

الجهة الأولى: أن الحصرَ هَاهُنا من الطرفينِ، حصرُ الأول في الثاني وحصرُ

الثاني في الأول، كما تقدَّم بيانُه، فحصْرُ الخشيةِ في العلماءِ يفيدُ أنَّ كلَّ من

خشيَ اللَّهَ فهو عالِمٌ وإنْ لم يُفِدْ لمجردِهِ أنَّ كلَّ عالِم فهو يخشى اللَّهَ وتفيدُ أنَّ

من لا يخشى فليسَ بعالم، وحصْرُ العلماءِ في أهلِ الخشيةِ يفيدُ أنَّ كلَّ عالِم

فهو خاشٍ، فاجتمعَ من مجموع الحصرينِ ثبوتُ الخشيةِ لكلِّ فردٍ من أفرادِ

العلماء.

والجهة الثانية: أن المحصورَ هلْ هوَ مقتضٍ للمحصورِ فيه أوْ هوَ شرطٌ له؟

قال الشيخُ أبو العباس - رحمه اللَّه -: وفي هذه الآيةِ وأمثالها هو مقتضٍ فهو

عامٌّ فإنَّ العلمَ بما أنذرتْ به الرسلُ يوجبُ الخوفَ، ومرادُه بالمقتَضي - العلة

المقتضيةَ - وهي التي يتوقفُ تأثيرُها على وجودِ شروط وانتفاءِ موانعَ كأسبابِ الوعدِ والوعيدِ ونحوِهما فإنها مقتضياتٌ وهي عامةٌ، ومرادُهُ بالشرطِ ما يتوقفُ تأثيرُ السببِ عليه بعدَ وجودِ السببِ وهو الذي يلزمُ من عدمِهِ عدمُ

المشروطِ ولا يلزمُ من وجودِهِ وجودُ المشروطِ، كالإسلامِ بالنسبةِ إلى الحجِّ.

والمانعُ بخلافِ الشرطِ، وهوَ ما يلزمُ من وجودِهِ العدمُ ولا يلزمُ من عدمه

الوجودُ وهذا الفرقُ بين السببِ والشرطِ وعدمِ المانِع إنَّما يتمُ على قولِ من


(١) في الأصل [للرهطِ] ولعل الصواب ما أثبتناه. (مصحح النسخة الألكترونية)
قال محقق الكتاب:
ولعل الصواب: "للرب فهل".

<<  <  ج: ص:  >  >>