الوجه السابع: وهو أن المقْدِمَ على مواقعةِ المحظورِ إنما أوجبَ إقدامَهُ عليه ما
فيه من اللذةِ الحاصلةِ له به، فظنَّ أنَّه يحصلُ له لذتُهُ العاجلةُ، ورجَى أنْ
يتخلصَ من تبعتِهِ بسببٍ من الأسبابِ ولو بالعفوِ المجردِ فينالُ به لذةً ولا
يلحقُهُ به مضرةٌ، وهذا من أعظم الجهلِ، والأمر تجلس (١) باطنه، فإن الذنوبَ تتبعُها ولابدَّ من الهمومِ والآلامِ وضيقِ الصدرِ والنكدِ، وظلمةِ القلبِ، وقسوتِهِ أضعافُ أضعافُ ما فيها منَ اللذةِ، ويفوتُ بها من حلاوةِ الطاعاتِ، وأنوارِ الإيمانِ، وسرورِ القلبِ ببهجةِ الحقائقِ والمعارفِ، ما لا يُوازي الذرةَ منه جميعُ لذاتِ الدنيا، فيحصلُ لصاحبِ المعصيةِ العيشةُ الضنكُ، وتفوتُهُ الحياةُ الطيبةُ، فينعكسُ قصدُهُ بارتكابِ المعصيةِ، فإنَّ اللَّهَ ضمِنَ لأهلِ الطاعةِ الحياةَ الطيبةَ، ولأهلِ المعصيةِ العيشةَ الضنكَ، قالَ تعالى:
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكرِي فَإِن لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) .
وقال: (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِن أَكثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) .
وقال: (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) .
وقال في أهلِ الطاعةِ: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) .
قال الحسنُ وغيرُهُ من السلفِ: "لنرزقنَّه عبادةً يجدُ حلاوتَها في قلبِهِ ".
ومن فسَّرها بالقناعةِ، فهو صحيح أيضًا، ومن أنواع الحياةِ الطيبةِ الرضى
بالمعيشةِ فإنَّ الرِّضى، كما قالَ عبدُ الواحدِ بنُ زيدٍ:
"جنةُ الدنيا ومستراحُ العابدين ".
وقال تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) .
(١) هكذا في المطبوع، ولعلها: " تُحِسُّ ".