عليه المحققون من الفقهاءِ من أصحابِنا وغيرُهُم، كالقاضي أبي يَعْلَى وغيرِهِ.
وإن كان بينهم في جوازِ وقوع خلافِ ذلكَ عقلاً نزاعٌ مبنيّ على أن العقلَ هل له مدخل في التحسينِ والتقبيح أم لا؟
وكثير منهم كأبي الحسنِ التميمي وأبي الخطابِ على أنَّ ذلك لا يجوزُ
عقْلاً أيضًا وأما منْ قال بوقوع مثلِ ذلك شرعًا فقولُهُ شاذٌ مردودٌ.
والصوابُ: أنَّ ما أمرَ اللَّهُ به عبادَهُ فهو عينُ صلاحِهِم وفلاحِهِم في دنياهُم
وآخرتِهم، فإنَّ نفسَ الإيمانِ باللَّهِ ومعرفتِهِ وتوحيدِهِ وعبادتِهِ ومحبتِهِ وإجلالِه
وخشيتهِ وذكره وشكره؛ هو غذاءُ القلوبِ وقوتُها وصلاحُها وقوامُها، فلا
صلاحَ للنفوسِ، ولا قرةَ للعيونِ ولا طمأنينةَ، ولا نعيمَ للأرواح ولا لذةَ لها
في الدنيا على الحقيقةِ، إلا بذلكَ، فحاجتُها إلى ذلك أعظمُ من حاجةِ
الأبدانِ إلى الطعامِ والشرابِ والنَّفَسِ، بكثيرٍ، فإنَّ حقيقةَ العبدِ وخاصيتِهِ هي
قلبُه وروحُهُ ولا صلاحَ له إلا بتألهِهِ لإلهه الحقّ الذي لا إله إلا هو، ومتى
فقدَ ذلكَ هلكَ وفسدَ، ولم يصلحْهُ بعد ذلك شيء ألبتة، وكذلكَ ما حرَّمه
اللَّهُ على عبادِهِ وهو عينُ فسادِهِم وضررِهم في دينهِم ودنياهم، ولهذا حرَّم
عليهم ما يصدُّهم عن ذكره وعبادتِهِ كما حرم الخمرَ والميسرَ، وبيَن أنه يصدّ
عن ذكرِهِ وعن الصلاة مع مفاسدَ أُخرَ ذكرَها فيهما، وكذلك سائرُ ما حرَّمه
اللَّه فإنَّ فيه مضرةً لعبادِهِ في دينهم ودنياهم وآخرتِهِم، كما ذكر ذلك
السلفُ، وإذا تبيَّن هذا وعُلِمَ أنَّ صلاحَ العبادِ ومنافعِهم ولذاتِهم في امتثالِ ما أمرهُم اللَهُ به، واجتنابِ ما نهاهم اللَّهُ عنه تبيَّن أن من طلبَ حصولَ اللذةِ
والراحةِ مِنْ فعلِ المحظورِ أو تَرْكِ المأمورِ، فهو في غايةِ الجهلِ والحمقِ، وتبيَّن
أنَّ كلَّ من عصى اللَّهَ هو جاهل، كما قاله السلفُ ودلَّ عليه القرآنُ كما