للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضميرَ فيهما عائدٌ إلى واحدٍ، وأيضًا فإن الملكينِ يقولانِ لمن يعلمانِهِ: إنما

نحن فتنة فلا تكفر، فقد أعلماه تحريمَه وسوءَ عاقبتِهِ.

وقالتْ طائفة: إنما نفىَ عنهم العلمَ بعدما أثبته لانتفاءِ ثمرتِهِ وفائدتِهِ، وهو

العملُ بموجبِهِ ومقضتاهُ، فلمَّا انتفَى عنهم العملُ بعلمهِم جعلَهم جُهَّالاً

لا يعلمونَ، كما يقالُ: لا عِلْمَ إلا ما نفعَ، وهذا حكاه ابنُ جريرٍ وغيرُهُ، وحكى الماورديُ قولاً بمعناه، لكنه جعلَ العملَ مضمرا، وتقديرُهُ لو كانوا يعملون بما يعلمون.

وقيلَ: إنهم علموا أنَّ منْ اشتراه فلا خلاقَ له، أي لا نصيبَ له في

الآخرةِ من الثوابِ، لكنهم لم يعلموا أنه يستحق عليه العقاب مع حرمانِهِ

الثوابَ، وهذا حكاه الماورديُّ وغيرُهُ، وهو ضعيف أيضًا، فإنَّ الضميرَ إن عادَ إلى اليهودِ، فاليهودُ لا يخفى عليهم تحريمُ السحرِ واستحقاقِ صاحبِه العقوبةَ، وإن عادَ إلى الذين يتعلمونَ من الملكينِ فالملكانِ يقولانِ لهم: (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) والكفرُ لا يخْفَى على أحدٍ أن صاحبَه يستحقُّ العقوبةَ، وإن عادَ إليهما، وهو الظاهرُ، فواضح، وأيضًا فإذا علموا أنَّ من اشتراهُ ما لهُ في الآخرةِ من خلاقٍ فقدْ علمُوا أنه يستحقُّ العقوبةَ، لأنَّ الخلاقَ: النصيبُ من الخيرِ، فإذا عَلِمَ أنه ليس له نصيب في الخيرِ بالكليةِ فقدْ علم أن له نصيبًا من الشرِّ، لأنَّ أهلَ التكليفِ في الآخرةِ لا يخلو واحد منهم عن أن يحصلَ له خير أو شرّ لا يمكنُ انتكاله عنهما جميعًا ألبتة.

وقالتْ طائفة: علموا أنَّ من اشتراه فلا خلاقَ له في الآخرةِ، لكنهم ظنُّوا

أنهم ينتفعونَ به في الدنيا، ولهذا اختاروه وتعوَّضُوا به عن بوارِ الآخرةِ

وشرَوا به أنفسَهُم، وجهلُوا أنه في الدنيا يضرُّهم أيضًا ولا ينفعُهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>