للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبئسَ ما شروا به أنفسَهُم لو كانوا يعلمون ذلك، وأنَّهم إنما باعُوا أنفسَهم وحظَّهم من الآخرةِ بما يضرُّهم في الدنيا أيضًا ولا ينفعهم، وهذا القولُ حكاه الماورديّ وغيرُهُ، وهو الصحيحُ، فإنَّ اللَّه تعالى قال:

(وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضرّهُمْ ولا يَنفَعُهُمْ)

أي هو في نفس الأمرِ يضرُّهم ولا ينفعُهم بحالٍ في الدنيا وفي الآخرةِ.

ولكنَّهم لم يعلموا ذلك لأنهم لم يُقدِمُوا عليه إلا لظنَّهم أنه ينفعُهم في

الدنيا.

ثمَ قال: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)

أي قد تيقَّنوا أنَّ صاحبَ السحرِ لا حظَّ له في الآخرةِ، وإنما يختارُهُ لما يرجو من نفعِهِ في الدنيا، وقدْ يسمُّون ذلك العقلَ المعيشي أي العقلَ الذي يعيشُ به الإنسانُ في الدنيا عيشةً طيبةً، قال اللَّه تعالى:

(وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)

أي: إن هذا الذي يعوضوا به عن ثوابِ الآخرةِ في الدنيا أمرٌ

مذمومٌ مُضِر لا ينفع لو كانوا يعلمونَ ذلك ثمَ قال:

(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنوا وَاتَّقَوْا لَمَثوبَةٌ مِنْ عِندِ اللَّهِ خَيْر لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)

يعني: أنهم لو اختارُوا الإيمانَ والتقْوى بدلَ السِّحرِ لكانَ اللَّهُ يثيبُهم على ذلكَ ما هو خير لهم مما طلبُوه في الدنيا لو كانوا يعلمون، فيحصُلُ لهم في الدنيا من ثوابِ الإيمانِ والتقْوى من الخير الذي هُو جلبُ المنفعةِ ودفعُ المضرَّةِ ما هو أعظمُ مما يُحَصِّلُونَهُ بالسِّحرِ من خيرِ الدنيا مع ما يُدَّخَرُ لهم من الثوابِ في الآخرةِ.

والمقصودُ هنا: أن كل من آثرَ معصيةَ اللَّهِ على طاعتِهِ ظانًّا أنه ينتفعُ بإيثارِ

المعصيةِ في الدنيا، فهُوَ من جنسِ من آثرَ السحرَ - الذي ظنَّ أنه ينفعُه في

الدنيا - على التقوى والإيمان، ولو اتَّقى وآمنَ لكانَ خيرًا له وأرجى لحصولِ

مقاصدِهِ ومطالبِهِ ودفع مضارِّه ومكروهاتِهِ، ويشهدُ كذلك

أيضًا ما في "مسندِ البزارِ"

<<  <  ج: ص:  >  >>