للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديثِ أبي هريرةَ - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ:

"لا يوطِّن رجل المساجدَ للصلاةِ والذكر إلا تبشبش اللَّهُ عز وجل به كما يتبشبشُ أهلُ الغائب إذا قدمَ عليهم غائبُهُم ".

ورَوى دراجٌ عن أبي الهيثم عن أبي سعيدٍ عن النبيًّ - صلى الله عليه وسلم - قال:

"من ألِفَ المسجدَ ألِفَهُ اللَّه ".

وقال سعيدُ بنُ المسيبِ: من جلسَ في المسجدِ فإنَّما يجالسُ اللَّه عز

وجلَ.

وصحَّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه عدَّ من السبعةِ الذينَ يظلُّهُمُ اللَّه في ظلَّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه رجلٌ قلبُهُ معلَّق بالمسجدِ إذا خرجَ منه حتى يعودَ إليه.

وإنَّما كانتْ ملازمةُ المسجدِ للطاعاتِ مكفرةً للذنوبِ؛ لأنَّ فيها مجاهدةَ

النفسِ وكفًّا لها عن أهوائِها؛ فإنها لا تميلُ إلا إلى الانتشار في الأرضِ لابتغِاء

الكسب؛ أو لمجالسةِ الناس، أو لمحادثتهم، أو للتنزه في الدور الأنيقةِ

والمساكنِ الحسنةِ ومواطنِ النزهِ، ونحو ذلكَ.

فمن حبسَ نفسَهُ في المساجدِ على الطاعةِ فهوَ مرابطٌ لها في سبيلِ اللَّه مخالِفٌ لهواهَا، وذلكَ من أفضلِ أنواع الصبرِ والجهادِ.

وهذا الجنسُ - أعني ما يؤلمُ النفسَ ويخالفُ هواهَا - فيه كفارةٌ للذنوبِ

وإنْ كانَ لا صنعَ فيه للعبدِ كالمرضِ ونحوِه فكيفَ بما كانَ حاصِلاً عن فعلِ

العبدِ واختياره إذا قصدَ به التقربَ إلي اللَّه عزَّ وجل، فإنَّ هذا من نوع الجهادِ في سبيلِ اللَّه الذي يقتضِي تكفيرَ الذنوبِ كلها ولهذا المعنى كانَ المشيُ إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>