المساجدِ كفارةً للذنوبِ أيضًا هو نوعٌ منَ الجهادِ في سبيلِ اللَّه أيضًا، كما
خرَّجَهُ الطبرانيّ من حديثِ أبي أمامةَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -
" الغدو والرواح إلي المساجد من الجهادِ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجل ".
كان زياد مولَى ابن عباس أحد العبادِ الصالحينَ، وكانَ يلازمُ مسجدَ المدينةِ
فسمعوهُ يومًا يعاتب نفسَهُ ويقولُ لها: أين تريدينَ أنْ تذهِبي، إلي أحسنَ من
هذا المسجدِ؛ تريدينَ أن تبصرِي دارَ فلانِ ودار فلانِ.
لما كانت المساجد في الأرضِ بيوتَ الله أضافَها اللَهُ إلى نفسِه تشريفًا لها
وتعلقتْ قلوبُ المحبينَ للَّهِ عز وجلَّ بها لنسبتها إلي محبوبِهِم، وارتاحتْ إلى
ملازمِتها لإظهارِ ذكرهِ فيها، قالَ تعالى:
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (٣٧) .
أين يذهبُ المحبونَ عن بيوتِ مولاهُم؛ قلوبُ المحبينَ ببيوتِ محبوبهِم
متعلقةٌ، وأقدامُ العابدينَ إلي بيوتِ معبودِهم مترددةٌ.
يا حبذَا العرعرُ النًجدي والبانُ. . . ودارُ قوم بأكناف الحِمى بانُوا
وأطيبُ الأرضِ ما للقلبِ فيه هوى. . . سَمُّ الخياطِ مع الأحبابِ ميدانُ
لا يُذْكرُ الرَّملُ إلا حنَّ مغتربٌ. . . له بذي الرمل أوطارٌ وأوطانُ
يهفُو إلى البانِ من قلبي نوازعهُ. . . وما بي البانُ بل مَنْ دارُه البانُ