للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي أظهرَ حاجتَهُ بالسؤالِ وأنَّه أحقُّ بالبرِّ منه وهذا يدلُّ على أنَّهم كانُوا لا

يعرفونَ من المساكينِ إلا من أظهرَ حاجتَهُ بالسؤالِ، وبهذا فرَّقَ طائفةٌ من

العلماءِ بين الفقيرِ والمسكينِ فقالوا: من أظهرَ حاجتَهُ فهو مسكينٌ ومن كتمَها

فهو فقيرٌ، وفي كلامِ الإمامِ أحمدَ إيماءٌ إلى ذلك وإن كانَ المشهورُ عنه أن

التفريقَ بينهما بكثرةِ الحاجةِ وقلَّتِهَا كقولِ كثير من الفقهاءِ.

وهذا حيثُ جمعَ بينَ ذِكْرِ الفقيرِ والمسكينِ كما في آيةِ الصدقاتِ، فأمَّا إذا

أفردَ أحدُ الاسمينِ دخلَ فيهِ الآخر عنَد الأكثرينَ، وقد كانَ كثيرٌ من السلفِ

يكتمُ حاجتَهُ ويظهرُ الغِنى تعففًا وتكرمًا، منهم إبراهيم النخعيّ كانَ يلبسُ ثيابًا حسناءَ ويخرجُ إلى الناسِ وهم يرونَ أنه تحل له الميتةَ من الحاجةَ.

كانَ بعضُ الصالحينَ يلبسُ الثيابَ الجميلةَ وفي كمهِ مفتاحُ دارٍ كبيرةٍ ولا

مأوى لهُ إلا المساجدُ، وكانَ آخرُ لا يلبسُ جبةً في الشتاءِ لفقرهِ ويقولُ: بي

علةٌ تمنعني من لبسِ المحشو وإنَّما يعني بها الفقرَ - شعر:

إن الكريمَ لُيخفي عنك عسرتَهُ. . . حتى تراهُ غنيًّا وهوَ مجهودُ

وكان بعكس هؤلاءِ من يلبسُ ثيابَ المساكينِ مع الغِنَى تواضعاً للهِ عز وجل

وبُعْدًا من الكبرِ كما كانَ يفعلُهُ الخلفاءُ الراشدونَ الأربعةُ وبعدَهم عمرُ بنُ عبد العزيز، وكذلكَ كانَ جماعةٌ من الصحابةِ منهم عبدُ اللَّهِ بنُ عمرَ وعبدُ اللَّهِ بنُ عمرو بن العاصِ وغيرُهما - رضي الله عنه -.

ورويَ أنَ أبا بكر الصدِّيقِ - رضي الله عنه - كانَ ينشدُ:

إذا أردتَ شريفَ الناسِ كلهم. . . فانظرْ إلى ملك في زي مسكينِ

ذاكَ الذي حسنت في الناسِ سيرتُهُ. . . وذاكَ يصلحُ للدُّنيا وللدينِ

وكان عليٌّ - رضي الله عنه - يُعاتَبُ على لباسِهِ فيقولُ: هو أبعدُ عن الكبرِ وأجدرُ أن يقتدي بي المسلمُ.

وعوتبَ عمرُ بنُ عبد العزيزِ على ذلكَ فقالَ: إن أفضلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>