- ثم قال: - ومثل هذا ما قاله طائفةٌ - منهم ابن عقيل - أنه يُستحبُّ للمحرم إذا دخل المسجد الحرام أن يصلي تحية المسجد كسائر المساجد، ثم يطوف طواف القدوم أو نحوه، وأما الأئمة وجماهير الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم فعلى إنكار هذا، أما أولًا: فلأنه خلاف السنّة المتواترة من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه، فإنهم لما دخلوا المسجد لم يفتتحوا إلا بالطواف ثم الصلاة عقب الطواف، وأما ثانيًا: فلأن تحية المسجد الحرام هي الطواف كما أن تحية سائر المساجد هي الصلاة» (١).
قال ابن دقيق العيد: «وقريب من ذلك: أن تكون العبادة من جهة الشرع مرتبة على وجه مخصوص، فيريد بعض الناس: أن يُحْدث فيها أمرًا آخر لم يرد به الشرع، زاعمًا أنه يدرجه تحت عموم، فهذا لا يستقيم؛ لأن الغالب على العبادات التعبد، ومأخذها التوقيف، وهذه الصورة: حيث لا يدل دليل على كراهة ذلك المحدث أو منعه، فأما إذا دل فهو أقوى في المنع وأظهر من الأول، ولعل مثال ذلك، ما ورد في رفع اليدين في القنوت، فإنه قد صح رفع اليد في الدعاء مطلقًا، فقال بعض الفقهاء: يرفع اليد في القنوت؛ لأنه دعاء، فيندرج تحت الدليل المقتضي لاستحباب رفع اليد في الدعاء، وقال غيره: يكره؛ لأن الغالب على هيئة العبادة التعبد والتوقيف، والصلاة تصان عن زيادة عمل غير مشروع فيها، فإذا لم يثبت الحديث في رفع اليد في القنوت: كان الدليل الدال على صيانة الصلاة عن العمل الذي لم يشرع: أخص من الدليل الدال على رفع اليد في الدعاء.