وأمّا ابن المراغيّ فلا يلحق بهؤلاء، مع براعة اللفظ، وسعة الحفظ، وعزّة النفس، وبلل الريق «١» ، وغزارة النّفث، وكثرة الرواية، ومن نظر في كتاب البهجة له عرف ما أقول، واعتقد فوق ما أصف، ونحل أكثر ممّا أبذل.
وأما المرزبانيّ وابن شاذان وابن القرمسينيّ وابن حيّويه فهم رواة وحملة ليس لهم في ذلك نقط ولا إعجام، ولا إسراج ولا إلجام.
فقال: فصل حديثك عن هؤلاء بحديث أصحابنا الشعراء، صف لي جماعتهم، واذكر لي بضاعتهم، وما خصّ كلّ واحد منهم.
قلت: لست من الشعر والشعراء في شيء، وأكره أن أخطو على دحض «٢» ، وأحتسي غير محض.
قال: دع هذا القول، فما خضنا في شيء إلى هذا الوقت إلّا على غاية ما كان في النفس، ونهاية ما أفاد من الأنس.
فكان من الوصف:
أما السّلاميّ فهو حلو الكلام، متّسق النظام، كأنّما يبسم عن ثغر الغمام خفيّ السرقة، لطيف الأخذ، واسع المذهب، لطيف المغارس، جميل الملابس، لكلامه ليطة بالقلب «٣» ، وعبث بالرّوح، وبرد على الكبد.
وأمّا الحاتميّ فغليظ اللّفظ، كثير العقد، يحبّ أن يكون بدويّا قحّا، وهو لم يتمّ حضريّا، غزير المحفوظ، جامع بين النظم والنثر، على تشابه بينهما في الجفوة وقلّة السّلامة، والبعد من المسلوك، بادي العورة فيما يقول، لكأنما يبرز ما يخفي، ويكدّر ما يصفي، له سكرة في القول إذا أفاق منها خمر وإذا خمر سدر «٤» ، يتطاول شاخصا، فيتضاءل متقاعسا، إذا صدق فهو مهين، وإذا كذب فهو مشين.
وأما ابن جلبات فمجنون الشّعر، متفاوت اللّفظ، قليل البديع، واسع الحيلة، كثير الزّوق، قصير الرّشاء، كثير الغثاء، غرّه نفاقه «٥» ونفّقه نفاقه.
وأمّا الخالع فأديب الشّعر، صحيح النّحت، كثير البديع، مستوي الطريقة،