للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متشابه الصّناعة، بعيد من طفرة المتحيّر، قريب من فرصة المتخيّر، كان ذو الكفايتين يقدّمه بالرّيّ، ويقبله على النّشر والطّيّ.

وأمّا مسكويه فلطيف اللفظ، رطب الأطراف، رقيق الحواشي، سهل المأخذ، قليل السّكب، بطيء السّبك، مشهور المعاني، كثير التواني، شديد التّوقّي، ضعيف الترقّي، يرد أكثر ممّا يصدر، ويتطاول جهده ثم يقصر، ويطير بعيدا ويقع قريبا، ويسقي من قبل أن يغرس، ويمتح من قبل أن يميه، وله بعد ذلك مآخذ كشدو «١» من الفلسفة، وتأتّ «٢» في الخدمة، وقيام برسوم النّدامة «٣» ، وسنّة في البخل، وغرائب من الكذب، وهو حائل «٤» العقل لشغفه بالكيمياء.

وأمّا ابن نباتة فشاعر الوقت، لا يدفع ما أقول إلّا حاسد أو جاهل أو معاند، قد لحق عصابة (سيف الدولة) وعدا معهم ووراءهم، حسن الحذو على مثال سكّان البادية، لطيف الائتمام بهم، خفيّ المغاص في واديهم، ظاهر الإطلال على ناديهم، هذا مع شعبة من الجنون وطائف من الوسواس.

وأمّا ابن حجّاج فليس من هذه الزّمرة بشيء، لأنّه سخيف الطريقة بعيد من الجدّ، قريع في الهزل، ليس للعقل من شعره منال، ولا له في قرضه مثال، على أنّه قويم اللّفظ، سهل الكلام، وشمائله نائية بالوقار عن عادته الجارية في الخسار، وهو شريك ابن سكّرة في هذه الغرامة «٥» ، وإذا جدّ أقعى، وإذا هزل حكى الأفعى.

وله مع ذي الكفايتين مناظرة طيّبة. قال: ما هي؟ قلت: لما ورد ذو الكفايتين سنة أربع وستين وهزم الأتراك مع أفتكين، وكان من الحديث ما هو مشهور، سأل عن ابن حجاج- وكان متشوقا له لما كان يقرأ عليه من قوافيه، فأحبّ أن يلقاه، لأنّه ليس الخبر كالمعاينة، والمسموع والمبصر كالأنثى والذكر، ينزع كلّ واحد منهما إلى تمامه، فلمّا حضره أبو عبد الله احتبسه للطعام، وسمع كلامه، وشاهد سمته، واستحلى شمائله، فقام من مجلسه، فلمّا خلا به قال: يا أبا عبد الله، لقد والله تهت عجبا منك، فأمّا عجبي بك فقد تقدّم، لقد كنت أفلي ديوانك، فأتمنّى لقاءك، وأقول: من صاحب هذا الكلام، أطيش طائش، وأخفّ خفيف، وأغرم غارم، وكيف يجالس من يكون في هذا الإهاب؟ وكيف يقارب من ينسلخ من ملابس الكتّاب

<<  <   >  >>