الخصم ومعاركة القرن، بعيد العهد بالمصاع والدفاع والوقاع، وكان سبب هذا الجبن والخور قلّة الضّراوة على هذه الأحوال، ولقد خزي في مشاهد عظيمة.
وأمّا يقينه فكان ضعيفا، وأما سيرته فكانت واقفة على حبّ الرياسة وبذل المال والجاه إذا حضرا، مع تعصّب شديد لمن قدّمه وأحبّه، وإنحاء مفرط على من عاداه، وكان خوضه في الدول والولايات- ولهذا رغب عنه الواسطيّ وكان أخا ورع ودين وقال: هذا منفّر عن الدين والمذهب، ودافع للناس عن القول بالحق، وطارح للشبهة في القلوب-.
وكان يجهر بهذا وأشباهه، ولكن كان جاه الرجل لا ينتقص بهذا القدر وركنه لا يتخلخل على هذا الهدّ، لأسباب انعقدت له، وأصحاب ذبّوا عنه.
وأما ابن الملّاح فشيخ حسن المعرفة بالمذهب، شديد التوقّي، محمود القناعة ظاهر الرضا، تدل سيرته الجميلة على أنّه حسن العقيدة.
وأما ابن المعلّم فحسن اللّسان والجدل، صبور على الخصم، كثير الحيلة ظنين «١» السرّ، جميل العلانيّة.
وأمّا أبو إسحاق النصيبي فدقيق الكلام، يشكّ في النبوّات كلّها، وقد سمعت منه فيها شبها، ولغته معقّدة، وله أدب واسع، ولقد أضلّ بهمذان كاتب فخر الدولة ابن المرزبان. وحمله على قلّة الاكتراث بظلم الرعيّة، وأراه أنه لا حرج عليه في غبنهم لأنهم بهائم، وما خرج من الجبل حتى افتضح.
وأما ابن خيران فشيخ لا يعدو الفقه، وفيه سلامة.
وأما الدّاركي فقد اتخذ الشهادة مكسبة، وهو يأكل الدنيا بالدين، ويغلب عليه اللّواط، ولا يرجع إلى ثقة وأمانة، ولقد تهتّك بنيسابور قديما، وببغداد حديثا، هذا مع الفدامة والوخامة، ولقد ندّ بجعل غلام، وهو اليوم قاضي الري. وابن عبّاد يكنفه ويقرّبه ليكون داعية له ونائبا عنه، وليس له أصل وهو من سواد همذان، وأبوه كان فلّاحا، ولقد رأيته، إلّا أنّه تأتى لابن عباد في سمته ولزوم ناموسه حتى خفّ عليه، وهو اليوم قارون، وقد علت رتبته في الكلام حتّى لا مزيد عليها، إلا أنه مع ذلك نغل «٢» الباطن، خبيث الخبء، قليل اليقين، وذلك أن الطريقة التي قد لزموها وسلكوها لا تفضي بهم إلا إلى الشك والارتياب، لأن الدّين لم يأت بكمّ وكيف في كلّ باب، ولهذا كان لأصحاب الحديث أنصار الأثر، مزية على أصحاب الكلام وأهل النظر، والقلب الخالي من الشبهة أسلم من الصدر المحشوّ بالشكّ والريبة، ولم يأت