وأما الصواب والخطأ فأمران عارضان للأقوال والأفعال والآراء، وليسا بخلقين محضين، ولكنّهما موكولا إلى نور العقل، فما أشرق عليه العقل بنوره فهو صواب، وما أفل عنه العقل بنوره فهو خطأ.
وأما الخير والشرّ فهما في العموم والشّمول ليسا بدون الصواب والخطأ لهما مناط بكلّ شيء، ويغلبان على الأفعال، وإن كان أحدهما عدما للآخر.
وأمّا الرجاء والخوف فهما عرضان للقلب بأسباب بادية وخافية، ولا يدخلان في باب الخلق من كل وجه ولا يخرجان أيضا بكل وجه وهما كالعمادين للإنسان قد استصلح لهما، وربط قوامه بغلبتهما وضعفهما.
وأما العدل والجور فقد يكونان خلقين بالفطرة، ويكونان فعلين بالفكرة وجانباهما بالفعل ألصق، وإلى الاكتساب أقرب.
وأما الشجاعة والجبن فهما خلقان متصلان بالخلق، ولهذا يعزّ على الشجاع أن يتحوّل جبانا، ويتعذر على الجبان أن يصير شجاعا، وكذلك طرفاهما داخلان في الخلق أعني التهوّر والتوقّي.
وأمّا السخاء والبخل فهما خلقان محضان أو قريبان من المحض، ولهذا تعلّق الحمد والذم بهما وبأصحابهما، والمدح والهجو سريا إليهما واتصلا بهما، وقد يندم السخيّ على بذله كثيرا خوفا من الإملاق، فلا يستطيع ذلك إذا أخذته الأريحيّة، وحرّكته اللّوذعيّة، وقد يلوم البخيل نفسه كثيرا إذا سلقته الألسنة الحداد، وجبه بالتوبيخ، وشمخ عند رؤيته الأنف، وغضّن الجبين وأولم بالعذل وقوبل، ومع ذلك فلا يرشح إلّا على بطء وكلفة وتضجّر، والكلام في هذين الخلقين طويل، لأنهما أدخل في تلاقي الناس وتعاطيهم في عشرتهم ومعاملتهم.
وأما الحلم والسّفه فهما أيضا خلقان، والأخلاق تابعة للمزاج في الأصل، ولذلك قلنا: إن الخلق ابن الخلق، والولد شبيه بوالده، وفي الجملة، كل ما يمكن أن يقال فيه للإنسان «لا تفعل هذا» ، «وأقلل من هذا وكف عنه» فإنه في باب الأفعال أدخل، وكل ما لم يجز أن يقال ذلك فيه فهو في باب الأخلاق أدخل، ثم لبعض هذا نسبة إلى الخلق أو الخلق، إما ظاهرة غالبة وإما خفية ضعيفة.
وأما الطّيش والوقار فهما يختلطان بالحلم والسّفه ويجريان معهما، فليس ينبغي أن ينشر الكلام ويطول الشرح.
وأما الجهل والعلم فليسا من الأخلاق ولا من الخلق وإنما يبرزان من صاحب الأخلاق والخلق للمزاج أثرين قويّين واحدهما عدم والآخر وجدان، والعدم لا يكون أعدم من عدم، والوجدان يكون أبين من وجدان.