وأما المعرفة والنكرة فهما في جوار العلم وضدّه، ولكنهما أعلق بالحسّ وألصق بالنفسين، أي الشّهويّة والغضبيّة.
وأمّا العقل والحمق فليسا من الخلق، والكلام في تفسير العقل مشهور، وعدمه الحمق.
وأما الصحة والمرض فليسا أيضا من الأخلاق، ولكنهما يوجدان في الإنسان بواسطة النفس، إما في البدن، وإما في العقل، ولذلك يقال: أمراض البدن، وأمراض النفس، وصحة البدن وصحة النفس.
وأما الاعتدال والانحراف فهما يدخلان في الخلق بوجه، ويخلصان منه بوجه، ويعمّان أعراض البدن وأعراض النفس، ويوصف بهما الإنسان، على أن الانحراف المطلق لا يوجد، والاعتدال المطلق لا يوجد، ولكن كلاهما بالإضافة.
وأما العفة والفجور فخلقان لهما جمرة وهمود، والحاجة تمسّ إلى العدل في استعمال العفة ونفي الفجور، وإذا قويت العفّة حالت عصمة، وإذا غلب الفجور صار عدوانا.
وأما التنبّه والغفلة فقريبان من الخلق ويغلبان على الإنسان، إلا أن فرط التنبّه موصول بالوحي، وفرط الغفلة موصول بالبهيمية.
وأما الذكر والنسيان فليسا بخلقين محضين، ومنشؤهما بالمزاج، وأحدهما من علائق النفس العالمة، والآخر من علائق النفس البهيمية.
وأما الذكاء والبلادة فهما خلقان، ونعتهما كنعت الذّكر والنسيان، إلا أن هذين يعرضان في الحين بعد الحين، والأخريان كالراسخين في الطينة.
وأما الغبطة والحسد فخلقان رسم الأوّل منهما بأن تتمنى لنفسك ما أوتيه صاحبك ورسم الثاني بأن تتمنى زوال ما أوتيه صاحبك وإن لم يصل إليك. ورسوم هذه الأخلاق أسهل من تحديدها، لكنّا تركنا ذلك، لأنّ الكلام الذي كان يجري هو على مذهب الخدمة.
على أن مراتب هذه الأخلاق مختلفة، فيبعد أن يعمّها حد واحد، وإنما اختلفت منازلها لأنها تارة تصفو بقوة النفس الناطقة، وتارة تكدر بالقوّتين الأخريين، ولبعضها حدّة بالزيادة، ولبعضها كلة بالنقص، فلم يكن التحديد يفصّل كلّ ذاك، فلم نعرج على شيء عجزنا عنه قبل أخذنا فيه.
ونتمّ بقيّة ما علق بهذه الجملة، فنقول:
وأما الدماثة والكزازة فخلقان محضان تابعان للمزاج، ثم المران يزيدهما قوّة