للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وضعفا، وهما للنعت أقرب، كالسهولة والعسر، ولذلك يقال: «ما أدمث هذه الأرض» ، أي ما أرخاها وألينها، وفي المثل:

«دمّث لجنبك قبل النوم مضطجعا» «١»

وأما الحق والباطل فليسا من الخلق ولا الخلق في شيء، وهما من نتائج المعرفة والنكرة، لأنّك تعرف الحق وتنكر الباطل، وذلك لأغراض تتبعهما، ولواحق تلتبس بهما.

وأما الغيّ والرّشد فليسا من الخلق، لكنهما من علائق الأفعال الحميدة والذميمة، وللرأي والعقل فيهما مدخل قويّ وحظّ تامّ.

وأما البيان والحصر فليس بينهما وبين الخلق علاقة، وإنما يتبعان المزاج ويزيد فيهما وينقص الجهد والتواني والطلب والقصور.

وأمّا الثقة والارتياب فخلقان يغلبان ينفعان ويضرّان ويحمدان ويذمّان، ألا ترى أنه يقال: لا تثق بكلّ أحد، «ولا ترتب بكلّ إنسان» وهكذا الطّمأنينة والتّهمة، لأنهما في طيهما.

وأما الحركة والسكون فليسا من حديث الخلق في شيء لأنّهما عامّان لجميع الأحوال سواء كان العمل مباشرا أم كان معتقدا.

وفي الحركة والسكون كلام واسع، وذلك أن ههنا حركة إلهيّة، وحركة عقليّة، وحركة نفسيّة، وحركة طبيعيّة، وحركة بدنية، وحركة فلكيّة، وحركة كوكبيّة، وحركة كأنها سكون. فأما السكون فهو ضرب واحد، لأنه في مقابل كلّ حركة ذكرناها. فإذا اعتبرت هذه المقابلة في كلّ مقابل لحظ الانقسام في السكون، كما وجد الانقسام في الحركة. والحركة أوضح برهان على كلّ موجود حسّيّ، والسكون أقوى دليل على كلّ موجود عقليّ، وهذا القدر كاف في هذا الموضع.

وأما الشكّ واليقين، فمن علائق النفس الناطقة، ولهذا لا يقال في الحيوان الذي لا ينطق: له يقين وشك.

وأما الخلاعة والوقار، فقد تقدّم البحث عنهما.

وأمّا التوقّي والتهوّر، فهما خلقان في جميع الحيوان، ويغلبان على نوع الإنسان، لأنّ العقل يبطل أحدهما، والحسّ يغلب الآخر.

وأما الإلف والملل فخلقان محضان، يذمّان ويحمدان على قدر المألوف والمملول، وإن كان جريان العادة قد وفّر الحمد على الإلف، والذم على الملل.

<<  <   >  >>