للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد مدح زيد فقيل: هو ألوف. وذمّ عمرو فقيل: هو ملول.

وأما الصّدق والكذب، فمن علائق النفس الناقصة والكاملة، وقد يكونان راسخين فيلحقان بالخلق، إلا أن الصدق ممدوح، والكذب مذموم، هذا في النظر الأول، وقد يعرض ما يوجب المصير إلى الكذب لينجى به، فهما إذن بعد الحقيقة الأولى وقف على الإضافة، وقد وجدنا من كذب لينتفع، ولم نجد من صدق ليكتسب الضرر.

وأمّا الإخلاص والنفاق، فهما يلحقان بالخلق، ولكنّهما يصدران عن عقيدة القلب وضمير النفس.

وأما الإحسان والإساءة، فهما يعمّان الأفعال والأقوال، فإذا رسخ اعتيادهما استحالا خلقين.

وأما النّصح والغشّ، فهما خلقان، وطرفاهما يتعلّقان بالخلق.

وكذلك الطّمع واليأس، والحبّ، والبغض، واللهج والسّلوّ، وما شاكل هذا الباب.

ولم يجر هذا كلّه في المذاكرة بالحضرة، ولكن رأيت من تمام الرسالة أن أضمّ هذا كلّه إلى حومته، وأبلغ الممكن من مقتضاه في تتمّته.

وقال لي: هات الوداع، فإنّ الليل قد همّ بالإقلاع.

قلت: قال أبو سعيد الذهبيّ الطبيب: لو علم الّذي يحمل الباذنجان أنّ على ظهره باذنجانا لصال على الثّيران.

فضحك- أضحك الله سنّه، وحقّق في كلّ خير ظنّه- وقال: إن كنت تحفظ في غرائب أخلاق الحيوان شيئا فاذكره إذا حضرت، فقد مرّ في أخلاق الإنسان ما يكفي مجلس الإمتاع والمؤانسة، فإذا ضمّ هذا إلى ذاك كان للإنسان فيه تبصّر كاف، وتذكّر شاف. وصدق- صدّق الله قوله- لأن الإنسان أشرف الحيوان، وإنما كان هكذا لأنه حاز جميع قوى الحيوان ثم زاد عليه بما ليس لشيء منه، فصار ربّا له سائسا، ومصرّفا له حارسا، ونظر إلى ما سخّر له منه فاعتبر، وقاد نفسه إلى حسن ما رأى، وعزفها عن قبيح ما وجد، ولم يجز في الحكمة أن يحرم الإنسان هذا مع ما فيه من المواهب السنيّة، والمنائح الهنية، فإن قال قائل: فالملائكة إذن قد حرمت هذه الفضيلة؟ فليعلم هذا القائل أن الملك لمّا خلق كاملا لم يكلّف أن يكمل ويتكامل ويستكمل، فصار كل شيء يطلبه ويتوخّاه سببا إلى كماله المعدّ له وغايته المقصودة. فإن زاد فقال: فهلا خلق كاملا؟ فليعلم أن كلامه على طريق الجدل، لا على طريق البحث عن العلل، لأنّه قد جهل أنّه بالحكمة وجب أن يكون الأمر مقسوما بين ما يحوز الكمال بالجبلّة، وبين ما يكسب الكمال بالقصد.

<<  <   >  >>