للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس لهم نسبة من الخلق إلا الخلقة الحسّيّة والعشرة البشريّة، وإلّا فهم في ذروة عالية، ومحلّة إلهيّة.

قال: وأمّا السكينة التي تلي هذه فهي للأنبياء على اختلاف حظوظهم منها لأنّها مرتبات تنقسم بين المنام واليقظة انقساما متفاوتا بالعرض الحامل للصّدق وللشبيه بالصدق، وللحقّ وللقرب من الحق، وللصحيح والتالي للصحيح، ثم يختلف بيانهم عن ذلك بالتعريض والإيضاح، والكناية والإفصاح، والتشبيه والاستعارة.

قال: فأمّا السكينة التي تتلو هذه فهي التي تظهر على طائفة تخلف الأنبياء، وذلك أنّ بقايا قواهم يرثها الّذين صحبوهم، واستضاءوا بنورهم، وفهموا عنهم، ولقّنوا منهم، ودخلوا في زمرتهم، وحاكوهم في الشّمائل والأخلاق، وسلكوا منهاجهم في القياد والسياق، وصلحوا سفراء بين الأبعدين، كما كانوا سجراء «١» للأقربين، وهم الذين يفسرون الغامض، ويوضحون المشكل، ويبسطون المطويّ، ويشرحون المكنيّ، ويبرزون المراد والمعنى، ويوطّدون الأساس، ويرفعون الالتباس، وينفون الوحشة ويحدثون الإيناس.

وأما السكينة الباقية فهي مفضوضة على أتباع هؤلاء بالسّهام العلويّة، والمقادير العدليّة، والمناسيب العقليّة، من غير جور ولا حيف، ولا انحراف ولا ميل.

فقال البخاريّ: أهي- أعني السكينة- في معنى فاعلة أو مفعولة؟

فقال: الفضاء أعرض مما تظن، وإن كان في غاية العرض، والذّروة أعلى من أن ترام وإن كان الإنسان يطلبها بالبسط والقبض.

هي بوجه في معنى فاعلة إذا شعرت بتأثيرها، وبوجه آخر في معنى مفعولة إذا شعرت بتأثرها. وبوجه آخر، ليست من هذين القبيلين في شيء إذا لحظتها في معانيها قبل تأثيرها وتأثرها، وأنت تعتبر حد الفاعل والمفعول من شكل اللفظ ووزن الترتيب، بشائع العادة وقائم العرف، والسكينة وراء هذا كلّه بالحق والواجب والصحة والتمام فإنها صراط الله للمخصوصين بالاستقامة عليه، فإذا شهدت المخصوص بها كانت عبارتك عن الملحوظ منها مشاكلة لعبارتك عن أخلاق رضيّة وأحوال مرضيّة، وإذا شهدت ذلك المعنى من معاني الحق كانت عبارتك متلجلجة لا نظام لها ولا تعادل ولا اتساق على العادة الجارية والحال الطارئة، فأحقّ ما ينبغي لطالب الحكمة واللائذ بهذه الحومة أن يبحث وينظر، ويكشف وينقّر، ويستقصي ويسبر ويسأل ويستبصر، حتى إذا بلغ هذه الآفاق، وشهد هذه الأعلام، ووجد الصّواب الذي لا شوب فيه، وصادف اليقين الذي لا ريب معه، وعرف الاستنابة التي تغني عن البيان، وذاق

<<  <   >  >>