ليس فيها حديث المنجّم في تأثيرات الكواكب وحركات الأفلاك ومقادير الأجرام ومطالع الطّوالع ومغارب الغوارب.
ولا حديث تشاؤمها وتيامنها، وهبوطها وصعودها، ونحسها وسعدها، وظهورها واستسرارها، ورجوعها واستقامتها، وتربيعها وتثليثها، وتسديسها ومقارنتها.
ولا حديث صاحب الطبيعة الناظر في آثارها، وأشكال الأسطقسّات، بثبوتها وافتراقها، وتصريفها في الأقاليم والمعادن والأبدان، وما يتعلق بالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، وما الفاعل وما المنفعل منها، وكيف تمازجها وتزاوجها، وكيف تنافرها وتسايرها، وإلى أين تسري قواها، وعلى أي شيء يقف منتهاها.
ولا فيها حديث المهندس الباحث عن مقادير الأشياء ونقطها وخطوطها وسطوحها وأجسامها وأضلاعها وزواياها ومقاطعها، وما الكرة؟ وما الدائرة؟ وما المستقيم؟ وما المنحنى؟
ولا فيها حديث المنطقيّ الباحث عن مراتب الأقوال، ومناسب الأسماء والحروف والأفعال، وكيف ارتباط بعضها ببعض على موضوع رجل من يونان حتى يصحّ بزعمه الصدق، وينبذ الكذب.
وصاحب المنطق يرى أنّ الطبيب والمنجّم والمهندس وكل من فاه بلفظ وأمّ غرضا فقراء إليه، محتاجون إلى ما في يديه.
قال: فعلى هذا كيف يسوغ لإخوان الصّفاء أن ينصبوا من تلقاء أنفسهم دعوة تجمع حقائق الفلسفة في طريق الشريعة؟
على أن وراء هذه الطوائف جماعة أيضا لهم مآخذ من هذه الأغراض، كصاحب العزيمة وصاحب الطلّسم وعابر الرؤيا ومدّعي السّحر وصاحب الكيمياء ومستعمل الوهم.
قال: ولو كانت هذه جائزة وممكنة لكان الله تعالى نبّه عليها، وكان صاحب الشريعة يقوّم شريعته بها، ويكمّلها باستعمالها، ويتلافى نقصها بهذه الزيادة التي يجدها في غيرها، أو يحضّ المتفلسفين على إيضاحها بها ويتقدم إليهم بإتمامها، ويفرض عليهم القيام بكل ما يذبّ به عنها حسب طاقتهم فيها، ولم يفعل ذلك بنفسه، ولا وكله إلى غيره من خلفائه والقائمين بدينه، بل نهى عن الخوض في هذه الأشياء، وكرّه إلى الناس ذكرها، وتوعّدهم عليها، وقال: من أتى عرّافا أو طارقا أو حازيا «١» أو كاهنا أو منجّما يطلب غيب الله منه فقد حارب الله، ومن حارب الله حرب، ومن غالبه غلب، حتى قال: