للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصحابنا إذا ظنّوا وقالوا: إنّ الإنسان يستطيع حفظ جميع فنون العلم والقيام بها والإبقاء عليها، ولو كان هذا مقدورا عليه لوجد، ولو وجد لعرف، ولو عرف لذكر، وكيف يجوز هذا وقلب الإنسان مضغة، وقوّته مقصورة، وانبساطه متناه، واقتباسه وحفظه وتصوّره وذكره محدود؟ ولقد حدّثني عليّ بن المهديّ الطبريّ قال: قلت ببغداد لأبي بشر: لو نظرت في شيء من الفقه مع هذه البراعة التي لك في الكلام، ومع هذا اللسان الذي تحيّر فيه كلّ خصم. قال: أفعل، قال: فكنت أقرأ عليه بالنّهار مع المختلفة الكلام، وكان يقرأ عليّ باللّيل شيئا من الفقه، فلمّا كان بعد قليل أقصر عن ذلك، فقلت له: ما السّبب؟ قال: والله ما أحفظ مسألة جليلة في الفقه إلّا وأنسى مسألة دقيقة في الكلام، ولا حاجة في زيادة شيء يكون سببا لنقصان شيء آخر منّي.

وسأل رجل آخر أن يقرضه مالا، فوعده ثمّ غدر به، فلامه النّاس، فقال: لأن يحمرّ وجهي مرّة أحبّ إليّ من أن يصفرّ مرارا كثيرة.

وولي أريوس ولاية فقال له أصدقاؤه: الآن يظهر فضلك. فقال: ليست الولاية تظهر الرّجل، بل الرّجل يظهر الولاية.

وقال ديوجانس: الدّنيا سوق المسافر، فليس ينبغي للعاقل أن يشتري منها شيئا فوق الكفاف.

وقيل لاسطفانس: من صديقك؟ قال: الذي إذا صرت إليه في حاجة وجدته أشدّ مسارعة إلى قضائها منّي إلى طلبها.

وقال أفلاطون: إن للنفس لذّتين: لذّة لها مجرّدة عن الجسد، ولذّة مشاركة للجسد، فأما التي تنفرد بها النفس فهي العلم والحكمة، وأما التي تشارك فيها البدن فالطعام والشراب وغير ذلك.

وقيل لسقراط: كيف ينبغي أن تكون الدنيا عندنا؟ قال: لا تستقبلوها بتمنّ لها، ولا تتبعوها بتأسّف عليها، فلا ذلك مجد عليكم، ولا هذا راجع إليكم.

وقال سقراط: القنية مخدومة، ومن خدم غير نفسه فليس بحرّ.

وقال بعض ندماء الإسكندر له: إن فلانا يسيء الثناء عليك، فقال: أنا أعلم أن فلانا ليس بشرّير، فينبغي أن ينظر هل ناله من ناحيتنا أمر دعاه إلى ذلك، فبحث عن حاله فوجدها رثّة، فأمر له بصلة سنيّة، فبلغه بعد ذلك أنه يبسط لسانه بالثناء عليه في المحافل، فقال: أما ترون أن الأمر إلينا أن يقال فينا خير أو شرّ.

قيل لطيماثاوس: لم صرت تسيء القول في الناس؟ قال: لأنه ليس يمكنني أن أسيء إليهم بالفعل. وكان مرّة في صحراء، فقال له إنسان: ما أحسن هذه الصحراء! قال: لو لم تحضرها أنت.

<<  <   >  >>