وقال غالوس: ما وجه الاهتمام بما إن لم يكن، أجزئ فوته، وإن كان فالمنفعة به وبحضوره قليلة منقطعة.
وقال سقراط: ينبغي إذا وعظت ألّا تتشكّل بشكل منتقم من عدوّ، ولكن بشكل من يسعط أو يكوي بعلاجه داء بصديق له، وإذا وعظت أيضا بشيء فيه صلاحك، فينبغي أن تتشكّل بشكل المريض للطبيب.
ركب مقاريوس في حاجة، فمرّ بزيموس وقد تعلّق به رجل يطالبه بمال اختدعه عنه وعليهما جماعة من الناس، وهو يسأله تنجيم ذلك المال عليه نجوما ليؤدّيه، ويتضرّع أشدّ التضرّع. فقال منقاروس: ما طلبتك عند هذا الرجل؟ فقال: أتاني فخدعني بالزّهد والنّسك عن مالي، ووعدني أن يملأ بيتي ذهبا من صنعته، فلم أزل في الاسترسال إلى ظاهره السليم حتى أفقرني باطنه السقيم. فقال له مقاريوس: إنّ كلّ من بذل شيئا إنما يبذله على قدر وسعه، وكان زيموس أتاك على حاله التي هو عليها، ولم يكن ليتّسع لأكثر من ذلك القول، وأمّا عمل الذّهب فبيّن ظاهر، لأنّ فقره يدلّ على عجزه وضعفه عنه، ومن أمّل الغنى عند الفقير فغاية ما يمكن أن يبلغه أن يصير مثله، وآخر ما يؤمّل عند الفقير نيل الفقر. فقد أصبت ما كنت تحبّ أن تجده عند زيموس، وهو حظّ إن تمسّكت به لم يغل بما تلف من مالك، ولئن كان وعدك أن يفيدك مالا باطلا فلقد أفادك معدنا حقّا، من غير قصد إلى نفعك. ثم أقبل على زيموس وقال له: ما أبعد شبه معدنك من المعادن الطبيعيّة! إنّ المعادن تلفظ الذّهب، ومعدنك هذا يبتلع الذهب، ومن جاور معدنا منها أغناه، ومن جاور معدنك أفقره، والمعادن الطّبيعيّة تثمر من غير قول، ومعدنك يقول من غير إثمار. فقال زيموس:
أيّها الفاضل، لئن عبتني فلست بأوّل حكيم لقي من النّاس الأذى. فقال له: أجل، ولا آخرهم ولا أوسطهم، لكنّك من الجهّال الّذين لقي النّاس منهم الأذى.
فقال- أعلى الله قوله-: فهل لهذا الأمر- أعني الكيمياء- مرجوع؟ وهل له حقيقة؟ وما تحفظ عن هذه الطائفة؟
فكان الجواب: أمّا يحيى بن عديّ- وهو أستاذ هذه الجماعة- فكان في إصبعه خاتم من فضّة يزعم أنّ فضّته عملت بين يديه، وأنّه شاهد عملها عيانا، وأنه لا يشكّ في ذلك.
وأمّا أصحابه كابن زرعة وابن الخمّار، فذكروا أنّ ذلك تمّ عليه من فعل لم يفطن له من بعض من اغترّه من هؤلاء المحتالين الخدّاعين.
وأما شيخنا أبو سليمان فحصلت من جوابه على أنّه ممكن، ولم يذكر سبب إمكانه ولا دليل حقيقته.