شوال، وما رأينا وزيرا على هذا الدّأب وبهذه العادة، لا منافقا ولا مخلصا، وقد قال الله تعالى: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا
[الكهف: ٣٠] تولّاه الله أحسن الولاية وكفاه أكمل الكفاية، إنّه قريب مجيب.
فلمّا رأيت دمعته، قلت: أيها الوزير، روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:«حرّمت النار على عين بكت من خشية الله، وحرّمت النار على عين سهرت في سبيل الله وحرّمت النار على عين غضّت عن محارم الله»«١» ، فقال- أحسن الله توفيقه-: هو الهلاك إن لم ينقذ الله بفضله، ولم يتغمّد بعفوه، لو غرقت في البحر كان رجائي في الخلاص منه أقوى من رجائي في السلامة مما أنا فيه. قلت: إذا علم الله من ضميرك هذه العقيدة ألبسك ثوب عفوه، وحلّاك بشعار عافيته وولايته، وكفاك كيد أعدائك، وعصب برؤوسهم ما يريدونه بك إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ
[النحل: ١٢٨] .
فقال: اجمع لي جزءا من رقائق العبّاد وكلامهم اللّطيف الحلو، فإنّ مراميهم شريفة، وسرائرهم خالصة، ومواعظهم رادعة، وذاك- أظنّ- للدّين الغالب عليهم، والتألّه المؤثّر فيهم، فالصّدق مقرون بمنطقهم، والحقّ موصول بقصدهم، ولست أجد هذا المعنى في كلام الفلاسفة، وذاك- أظنّ أيضا- لخوضهم في حديث الطّبائع والأفلاك والآثار وأحداث الزّمان. قلت: أفعل، فكتبت تمام ما تقدّم به، ثم كتبت بعد ورقات في حديث النّسّاك.
قال عتبة بن المنذر السلميّ: سئل رسول صلّى الله عليه وسلّم أيّ الأجلين قضى موسى- عليه السلام-؟ فقال: أكثرهما وأوفاهما، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«إنّ موسى- عليه السلام- لما أراد فراق شعيب أمر امرأته تسأل أباها أن يعطيها من نتاج غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما وضعت غنمه من قالب لون ذلك العام، فلما وردت الحوض وقف موسى بإزاء الحوض فلم تصدر منها شاة إلّا ضرب جنبها بعصاه، فوضعت قوالب ألوان كلّها ووضعت اثنتين أو ثلاثة كلّ شاة، ليس فيهنّ فشوش ولا ضبوب ولا ثعول ولا كميشة تفوت الكفّ، فإن افتتحتم الشام وجدتم بها بقايا منها، فاتّخذوها، وهي السامريّة»«٢» .