هو مدوّن في كتب القوافي والعروض لأربابها الذين استنفدوا غايتهم فيها.
وقال عيسى الوزير: النّثر من قبل العقل، والنّظم من قبل الحسّ، ولدخول النّظم في طيّ الحسّ دخلت إليه الآفة، وغلبت عليه الضّرورة، واحتيج إلى الإغضاء عمّا لا يجوز مثله في الأصل الذي هو النثر.
وقال ابن طرّارة- وكان من فصحاء أهل العصر بالعراق-: النثر كالحرّة، والنّظم كالأمة، والأمة قد تكون أحسن وجها، وأدمث شمائل، وأحلى حركات، إلّا أنّها لا توصف بكرم جوهر الحرّة ولا بشرف عرقها وعتق نفسها وفضل حيائها.
وقال: ولشرف النّثر قال الله تعالى في التّنزيل إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً
[الإنسان: ١٩] ولم يقل: لؤلؤا منظوما، ونجوم السماء منتثرة وإن كان انتثارها على نظام، إلّا أنّ نظامها في حدّ العقل، وانتثارها في حدّ الحسّ، «لأنّ الحكمة إذا غطّيت نفسها كانت الغلبة للصّورة القائمة بالقدرة» .
وقال أحمد بن محمد كاتب ركن الدّولة: الكلام المنثور أشبه بالوشي، والمنظوم أشبه بالمنير المخطّط، والوشي يروق ما لا يروق غيره.
ويقال: كنّا في نثار فلان، ولا يقال: كنّا في نظام فلان.
وقال ابن هندو الكاتب: إذا نظر في النظم والنّثر على استيعاب أحوالهما وشرائطهما، والاطّلاع على هواديهما وتواليهما كان أنّ المنظوم فيه نثر من وجه، والمنثور فيه نظم من وجه، ولولا أنّهما يستهمان هذا النّعت لما ائتلفا ولا اختلفا.
وقال ابن كعب الأنصاري: من شرف النّثر أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم ينطق إلا به آمرا وناهيا، ومستخبرا ومخبرا، وهاديا وواعظا، وغاضبا وراضيا، وما سلب النّظم إلا لهبوطه عن درجة النّثر، ولا نزّه عنه إلا لما فيه من النّقص، ولو تساويا لنطق بهما، ولمّا اختلفا خصّ بأشرفهما الّذي هو أجول في جميع المواضع، وأجلب لكلّ ما يطلب من المناف.
فهذا قليل من كثير مما يكون تبصرة لباغي هذا الشأن، ولمن يتوخّى حديثه عند كلّ إنسان.
وأمّا ما يفضّل به النّظم على النّثر فأشياء سمعناها من هؤلاء العلماء الذين كانت سماء علمهم درورا، وبحر أدبهم متلاطما، وروض فضلهم مزدهرا، وشمس حكمتهم طالعة، ونار بلاغتهم مشتعلة، وأنا آتي على ما يحضرني من ذلك، منسوبا إليهم، ومحسوبا لهم، ليكون حقّهم به مقضيّا، وذكرهم على مرّ الزّمان طريّا.
قال السلاميّ: من فضائل النّظم أن صار لنا صناعة برأسها، وتكلّم الناس في قوافيها، وتوسّعوا في تصاريفها وأعاريضها، وتصرّفوا في بحورها، واطّلعوا على