وأهلا فلا ممنوع خير تريده ... ولا أنت تخشى عندنا أن نؤوّبا
قال الشعبي: استسقيت على خوان قتيبة، فقال: ما أسقيك؟ فقلت: الهيّن الوجد، العزيز الفقد، فقال: يا غلام، اسقه الماء.
مرّ مسكين بأبي الأسود ليلا وهو ينادي: أنا جائع! فأدخله وأطعمه حتّى شبع، ثم قال له: انصرف إلى أهلك، وأتبعه غلاما وقال له: إن سمعته يسأل فاردده إليّ.
فلما جاوزه المسكين سأل كعادته، فتشبّث به الغلام وردّه إلى أبي الأسود. فقال: ألم تشبع؟ فقال: بلى. قال: فما سؤالك؟ ثم أمر به فحبس في بيت وأغلق عليه الباب، وقال: لا تروّع مسلما سائر الليلة ولا تكذب. فلمّا أصبح خلّى سبيله، وقال: لو أطعنا السّؤال صرنا مثلهم.
وسمع دابّة له تعتلف في جوف الليل، فقال: إني لأراك تسهرين في مالي والناس نيام، والله لا تصبحين عندي. وباعها.
وأبو الأسود يعدّ في الشعراء والتابعين والمحدّثين والبخلاء والمفاليج والنحويّين والقضاة والعرج والمعلمين.
وقال الشاعر:
أنفق أبا عمرو ولا تعذّرا ... وكل من المال وأطعم من عرا
لا ينفع الدّرهم إلّا مدبرا
كان مسلم بن قتيبة لا يجلس لحوائج الناس حتّى يشبع من الطّعام الطيّب، ويروى من الماء البارد، ويقول: إنّ الجائع ضيّق الصّدر، فقير النّفس، والشبعان واسع الصّدر، غنيّ النّفس.
وقال أعرابيّ:
هلكت هريئة «١» وهلكت جوعا ... وخرّق معدتي شوك القتاد
وحبّة حنظل ولباب قطن ... وتنّوم ينظّم بطن وادي
وقال الفرزدق:
وإن أبا الكرشاء ليس بسارق ... ولكنّه ما يسرق القوم يأكل
ولديك الجنّ:
إذا لم يكن في البيت ملح مطيّب ... وخلّ وزيت حول حبّ دقيق
فرأس ابن أمّي في حرام ابن خالتي ... ورأس عدوّي في حرام صديقي