جانب، فإن صناعتهم يفتقر فيها أشياء يؤاخذ بها غيرهم، ولست منهم، فلا تتشبّه بهم، ولا تجر على مثالهم، ولا تنسج على منوالهم، ولا تدخل في غمارهم، ولا تكثّر ببياضك سوادهم، ولا تقابل بفهاهتك براعتهم، ولا تجذب بيدك رشاءهم، ولا تحاول بباعك مطاولتهم، واعرف قدرك تسلم، والزم حدّك تأمن، فليس الكودن «١» من العتيق في شيء، ولا الفقير من الغنيّ على شيء، أما سمعت قول الناس: ليس الشاميّ للعراقيّ بصاحب، ولا الكرديّ من الجنديّ بساخر، فإن طال «٢» فلا تبل، وإن تشعّب فلا تكترث، فإن الإشباع في الرواية أشفى للغليل، والشرح للحال أبلغ إلى الغاية، وأظفر بالمراد، وأجرى على العادة.
فكتبت:(بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم) ، أقول أيّها الشيخ- عطف الله قلبك عليّ، وألهمك الإحسان إليّ- في جواب جميع ما قلته واجدا عليّ وعاتبا، وقابضا، وباسطا، ومرشدا، وناصحا، ما يعرف الحقّ فيه، ويستبين الصواب منه، غير خائن لك، ولا جانح إلى مخالفتك، ولا مريغ «٣» للباطل معك، ولا جاحد لأياديك القديمة والحديثة، ولا منكر لنعمتك الكافية الشافية، ولا غاط على فواضلك المجتمعة والمتفرقة، ولا تارك لشيء هو عليّ من أجل شيء هو لي، ولا معرض عن شيء هو لي بسبب شيء هو عليّ، بل أجهّز دقّة وجلّه إليك حتى تراه بسدّه وغباره، وأجلوه عليك حتى تلحظه بردائه وإزاره.
أأنا أدعك واجدا عليّ، وأرقد وأنت ماقت لي، وأجد حسّ نعمة أنت وهبتها إليّ، وألذّ عيشا أنت أذقتني حلاوته. أأنسى أياديك وهي طوق رقبتي، وتجاه عيني، وحشو نفسي، وراحة حلمي، وزاد حياتي، ومادّة روحي؟ هيهات، هذا بعيد من القياس، وغير معهود بين أحرار الناس، الذين لهم اهتمام بصون أعراضهم، وحرص على إكرام أنفسهم، قد عبقوا بفوائح الفتوّة، وعلقوا بحبائل المروءة، وشدوا «٥» من الحكمة أشرف الأبواب، واعتزوا من الأدب إلى أعز حرم، وحازوا شرفا بعد شرف، وانحازوا عن نطف بعد نطف «٦» ونظروا إلى الدنيا بعين بصيرة، وعزفوا أنفسهم عن زهرتها بتجربة صادقة.