وأمّا الصّورة الصّناعة فهي أبين من ذلك، لأنّها مع غوصها في مادّتها بارزة للبصر والسّمع ولجميع الأحسان، كصورة السّرير والكرسيّ والباب والخاتم وما أشبه ذلك.
وأمّا الصّورة النّفسيّة فهي راجعة إلى العلم والمعرفة وتوابعهما فيما يحقّقهما أو يخدمهما وهي شقيقة للصّورة العقليّة بالحقّ.
وأمّا الصّورة البسيطة فالاختلاف مراتب البسيط ما يعزّ رسمها إلا بالإيماء إليها، فإن لحق هذا الإيماء سامعه فذاك، وإلّا فلا طمع في عبارة شافية عنها.
وأما الصّورة المركّبة فهي بادية للحسّ بآثار الطّبيعة في مادّتها، وبادية أيضا للنّفس بآثار العقل في سيحه عليها، وكما أنّ بين البسيط والبسيط فرقا يكاد البسيط يكون به مركّبا، كذلك بين المركّب والمركّب فرق يكاد المركّب يكون به بسيطا، وهذه جملة تفسيرها معوز.
وأما الصّورة الممزوجة فهي أخت الصّورة المركّبة، وكذلك الصّورة الصافية أخت الصّورة البسيطة، وليس هذا تمايزا في اللّفظ واللّفظ، إذا كانتا متصاحبتين ولم تكونا متعاندتين.
وأمّا الصّورة اليقظيّة فهي مجموعة من الأحساس، لجريانها على وجدان المشاعر كلّها، وما لها وبها.
وأمّا الصّورة النّوميّة فهي أيضا مميّزة عن أختها، أعني اليقظيّة، لأنها إغضاء عين وفتح عين، أعني أنّ النائم قد حيل بينه وبين مثالات الإحساس وعوارض الكون والفساد، وفتح عليه باب إلى وجدان شيء آخر يجري كظلّ الشّخص من الشّخص، فإن كان ذلك من وادي الطبيعة أومأ إلى آثار الأخلاط، وإن كان من وادي النّفس أومأ إلى نصب التماثيل، وإن كان من وادي العقل صرّح بحقائق الغيب في عالم الشّهادة إمّا بالتّقريب وإمّا بالتّهذيب أعني إمّا بوقوعه عقيب ذلك، وإمّا بعد مهلة.
وأمّا الصوّرة الغائبيّة والشاهديّة فقد اتّصل الكلام في شرحها بما تقدّم من حديث الصّورة اليقظيّة والنّوميّة، والعبارة عن الشاهد مقصورة على وجدان المشاعر، والعبارة عن الغائب مقصورة على ما تغلّق على المشاعر، وفي الغائب شاهد هو الملحوظ من الغائب، وفي الشاهد غائب هو المبحوث عنه في الشّاهد، فالشاهد غائب بوجه، والغائب شاهد بوجه، حتى إذا استجمعا لك كنت بهما في شعارهما. والإلهيّون من الفلاسفة هم الذين جمعوا بين هذين النّعتين وعلوا هاتين الذّروتين، فتوحّدوا عند ذلك بخصائصهم، وانسلخوا عن نقائصهم، فلو قلت: ما هؤلاء بشر كنت صادقا.
ولقد أحسن الّذي قال في وصف العصابة حيث وصف فقال:
فينا وفيك طبيعة أرضيّة ... تهوي بنا أبدا لشرّ قرار