لكنّها مقسورة مأسورة ... مغلوبة السّلطان في الأحرار
فجسومهم من أجلها تهوي بهم ... ونفوسهم تسمو سموّ النار
لولا منازعة الجسوم نفوسهم ... نفذت بسورتها من الأقطار
عرفوا لروح الله فيه فضل ما ... قد آثروا من صالح الآثار
فتنزّهوا وتكرّموا وتعظموا ... عن لؤم طبع الطّين والأحجار
نزعوا إلى البحر الذي منه أتت ... أرواحهم وسموا عن الأغوار
وهذا وصف بليغ بالإضافة إلى القوم.
فأما ما وراء هذا فهناك خبر ثقة بما قرّر وقال:
وأما الصّورة اللّفظيّة فهي مسموعة بالآلة التي هي الأذن، فإن كانت عجماء فلها حكم، وإن كانت ناطقة فلها حكم، وعلى الحالين فهي بين مراتب ثلاث: إمّا أن يكون المراد بها تحسين الإفهام، وإمّا أن يكون المراد بها تحقيق الإفهام، وعلى الجميع فهي موقوفة على خاصّ مالها في بروزها من نفس القائل، ووصولها إلى نفس السامع، ولهذه الصّورة بعد هذا كلّه مرتبة أخرى إذا مازجها اللّحن والإيقاع بصناعة الموسيقار، فإنّها حينئذ تعطي أمورا ظريفة، أعني أنّها تلذّ الأحساس، وتلهب الأنفاس، وتستدعي الكاس والطاس، وتروّح الطّبع، وتنعم البال، وتذكر بالعالم المشوق إليه، المتلهّف عليه.
هذا منتهى كلامه على ما علقه الحفظ، ولقنه الذّهن، ولو كان مأخوذا عنه بالإملاء لكان أقوم وأحكم، ولكنّ السّرد باللّسان، لا يأتي على جميع الإمكان في كلّ مكان، فهذا هذا.
قال الوزير: هذا باب في غاية الإيفاء والاستيفاء، ومن يتحكّك بالاعتراض عليه فقد صغى، وأبدى صفحته بالبهت، ودلّ من عقله على الدّخل، ومن أخلاقه على الخلل، لقد وهب الله لهذا الرجل مقاما عاليا، ولا عجب فإنه معوّض بهذا عما فاته.
وقال: أنشدني في الخمر شيئا غريبا، فأنشدته:
ومورّد الوجنات يخ ... طر حين يخطر في مورّد
يسقيك من جفن اللّجين ... إذا سقاك دموع عسجد
حتّى تظنّ الشمس تن ... زل أو تظنّ الأرض تصعد
فإذا سقاك بعينه ... وبفيه ثمّ سقاك باليد
حيّاك بالياقوت تح ... ت الدّرّ من فوق الزّبرجد
قال: أحسنت والله، هات زيادة. فقلت:
وعذراء ترغو حين يضربها الفحل ... كذا البكر تنزو حين يقتضّها البعل